لم تكن مباراة النادي الأفريقي واتحاد بن قردان في الدوري التونسي للمحترفين سوى مواجهة عادية، لكنها استطاعت أن تخترق كل الحدود وتشد أنظار العالم برسائل إنسانية كان أبطالها أعضاء روابط ألتراس الأفريقي.
وتحولت لافتات “التيفو” -التي عرضتها جماهير الأفريقي على مدرجات ملعب رادس الأولمبي في العاصمة تونس قبل بداية المواجهة- إلى الحدث الأبرز للمباراة، ليس فقط في تونس، وإنما في أنحاء كثيرة من العالم.
ورفع المشجعون “تيفو” عملاقا لزعيم حركة حماس يحيى السنوار الذي استشهد في غارة إسرائيلية في 16 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لتكون تلك اللافتة التي تسمى “الدخلة” في الأوساط الكروية بتونس امتدادا لظاهرة طغت على مباريات كرة القدم خلال السنوات الماضية، وأصبحت تقليدا أسبوعيا في ملاعب البلاد.
وتصدرت عبارات “انكسر العدو”، و”انتصرت غزة”، و”ارفعوا راية النصر”، و”ارفعوا راية العزة” المدرج الرئيسي لملعب رادس الأولمبي، في حين بدت صورة الشهيد يحيى السنوار العملاقة وهو يجلس على كرسيه كما لو أنها حقيقية، لتخترق كل الحدود ويوصل رسالته إلى العالم منددا بمجازر إسرائيل في القطاع.
وجددت عروض “تيفو” في المدرجات التي صارت من الثوابت بمباريات الدوري التونسي الجدل بشأن قوة تلك الرسائل البليغة التي توجهها جماهير كرة القدم لنصرة القضية الفلسطينية بعد الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة.
سلاح قوي يخترق كل الحدود
وبدت لافتات المدرجات في عدد من مباريات الدوري التونسي بمثابة السلاح القوي في الحرب على غزة وفضح الانتهاكات التي يقوم بها الكيان الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، بعدما تضمنت رسائل عميقة وشعارات أقضّت مضجع الإسرائيليين وأثارت التعاطف مع أهالي غزة.
ونجح تيفو ألتراس النادي الأفريقي في إزعاج أطراف كثيرة بإسرائيل، بل إن عددا من النشطاء في الكيان الصهيوني طالبوا الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بالتدخل والتحقيق في ما اعتبرها دعوة غير مشروعة لدعم الفلسطينيين وحركة حماس وتداخلا بين السياسة والرياضة.
وفي الحقيقة، لا تبدو مساندة جماهير كرة القدم -خاصة روابط الألتراس- القضية الفلسطينية ظاهرة حديثة، بل دأب مشجعو الألتراس في تونس -وهم الجماهير الأكثر تطرفا في الانتماء إلى أنديتهم- على الدفاع عن القضايا الكونية، وعلى رأسها الحرب على غزة.
![صورة عدد 4 تيفو مشجعي ألتراس كورفا سود لمشجعي الترجي في مباراة نهائي دوري أبطال إفريقيا أمام الأهلي المصري](https://jeddahdays.com/wp-content/uploads/2025/02/003-1738854010.jpg)
وتعد روابط مشجعي أندية كرة القدم في تونس أول “ألتراس” في الكرة العربية، إذ أنشأ مشجعون للنادي الأفريقي أول رابطة في سنة 1995 وأطلقوا عليها اسم “أفريكان وينرز”، وبعدها بـ7 سنوات أطلق مشجعون للترجي أول رابطة للنادي تحت اسم “ألتراس مكشخين”.
ومع اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 كرست رابطات ألتراس تونس كل اهتمامها لدعم القضية الفلسطينية وإعداد “تيفو” أسبوعية عملاقة لمساندة ونصرة الشعب الفلسطيني.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2023 أعد مشجعو رابطة “الليدرز” (القادة) في الأفريقي لافتة عملاقة حملت شعار” باقون ما بقي الزعتر والزيتون”، وفي مايو/أيار 2024 جابت “دخلة” الترجي التونسي في نهائي دوري أبطال أفريقيا أمام الأهلي المصري أنحاء العالم بشعارات تعبر عن نصرة فلسطين ودعوة العالم للتحرك بعد مجازر إسرائيل في غزة.
وتخللت تلك اللوحات -التي تصدرت مدرجات ملعب رادس- شعارات كثيرة وصور ولوحات فنية صممها عدد من أعضاء ألتراس “كورفا سود” (المدرج الجنوبي)، وهي إحدى أكبر رابطات مشجعي الترجي، وحملت شعارا شكّل الحدث الأكبر في تلك المباراة “صُنع في غزة”.
وتصدرت لوحات ألتراس الترجي الصحف العالمية، واعتبرت في ذلك الأسبوع أقوى “تيفو” في ملاعب العالم على الإطلاق لما تخللتها من جمالية في الألوان وقوة وبلاغة بالمضامين وإبداع في التصميم والإنجاز.
![صورة عدد 7 تيفو مشجعي ألتراس كورفا سود لمشجعي الترجي في مباراة نهائي دوري أبطال إفريقيا أمام الأهلي المصري](https://jeddahdays.com/wp-content/uploads/2025/02/004-1738854060.jpg)
قوانين صارمة وأهداف سامية
وكشف أيمن -وهو أحد أعضاء رابطة ألتراس “وينرز” للأفريقي- أن “دور المشجعين في كرة القدم لا ينبغي أن يقتصر على شحذ عزائم اللاعبين أثناء المباريات، وإنما في التعبير عن المواقف العادلة من القضايا الإنسانية”.
ويقول أيمن للجزيرة نت “بشكل عام، نعتقد أن “دخلة” يحيى السنوار أزعجت الكيان الإسرائيلي وحققت أهدافها، سنواصل دعم القضية الفلسطينية وإرباك العدو الإسرائيلي حتى من خلال “تيفو” المدرجات، كلنا فداء لفلسطين”.
وتقول بعض المصادر القريبة من روابط الألتراس إن تكلفة التيفو الواحدة تتراوح بين 6 و15 ألف دينار (بين 2 و5 آلاف دولار)، على أن المشجعين هم من يمولون تلك العملية ولا يقبلون عطايا أو أموالا من النادي.
بدوره، يقول الأكاديمي والباحث التونسي هشام الحاجي للجزيرة نت “من المهم الإشارة في البداية إلى أن ظاهرة “التيفو” لم تعد مجرد شعارات ترفع في الملاعب، بل تحولت إلى ثقافة قائمة ونشاطا فنيا يأخذ من الرياضة والإبداع والفكر بهدف التأثير في المجتمعات والتعبير عن مواقف نبيلة من القضايا الإنسانية المعاصرة”.
ويضيف الحاجي “تتخذ “الدخلة” -وهي العبارة التي لها دلالات في تونس من فضاء الرياضة- مجالا للتعبير عن ذاتها وفق منطلق واضح، وهو تبني موقف معارض وناقد للأوضاع السائدة حتى من خلال الأهازيج التي يتم ترديدها، لكن التيفو تظل الرسالة الأكثر عمقا وتعبيرا والأقدر على اختراق كل الحدود والوصول إلى أهدافها”.
وبخصوص اللوحات الأخيرة لروابط مشجعي الألتراس في تونس، يرى الحاجي أن “تيفو مشجعي الأفريقي في مباراة اتحاد بن قردان كانت الأكثر إبداعا ونفاذا إلى ضمائر العالم”، وفق وصفه.