أعلنت شركتا مايكروسوفت وبالانتير عن تعاون مهم لدمج إمكانات الذكاء الاصطناعي المتطورة في قطاعي الدفاع والاستخبارات الأميركية، ويعد هذا التعاون الأول من نوعه في توظيف الذكاء الاصطناعي في الأنظمة السرية، إذ يجمع بين خدمات مايكروسوفت السحابية “أزور” ومنصات تحليل البيانات المتطورة التي توفرها شركة بالانتير، وفقا لما ذكرته مايكروسوفت على مدونتها.

ذكاء اصطناعي سري

أصبحت الخدمات السحابية ضرورية لتشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي المتطورة، التي تتطلب موارد حاسوبية ضخمة، لا توفرها أجهزة الحاسوب العادية المتاحة. وبالاستفادة من الموارد التي تقدمها الخدمات السحابية، يمكن استضافة تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتشغيلها عن بُعد للتغلب على محدودية الأجهزة الموجودة.

وترغب وكالات الأمن والاستخبارات في الاستفادة من الذكاء الاصطناعي التوليدي لمساعدتها على فهم وتحليل الكميات الهائلة من المعلومات السرية التي تظهر يوميا، ولكنها يجب أن توازن بين اللجوء إلى نماذج لغوية كبيرة متاحة للعامة وبين خطر تسرب أي بيانات حساسة إلى العلن أو محاولة اختراقها عمدا.

وهنا يأتي دور هذه الشراكة، إذ ستعمل شركة بالانتير، وهي شركة رائدة في مجال تحليل وتكامل البيانات، على دمج تقنياتها مع البنية التحتية السحابية “أزور” وهي الخدمات السحابية المعتمدة من الحكومة الأميركية.

ويتضمن هذا التكامل استخدام نماذج لغوية متطورة مثل نموذج “جي بي تي-4″، مما يتيح لوكالات الأمن القومي ووكالات الاستخبارات الأميركية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي المتطورة في إطار بيئات آمنة وسرية.

بهذا، ستتمكن وكالات الدفاع والمخابرات والأمن القومي الأميركية من توظيف إمكانات الذكاء الاصطناعي في عدة مجالات مع الحفاظ على مستويات الأمن والرقابة اللازمة لمهامها الحساسة، تشمل هذه المجالات إدارة الخدمات اللوجيستية والتخطيط للعمليات والتعاقدات، وهي مجالات يستطيع الذكاء الاصطناعي تعزيز عمليات اتخاذ القرار بها بتوفير معلومات فورية مستندة إلى البيانات، وفقا لما ذكرته شركة بالانتير.

كما تتيح هذه الاتفاقية الجديدة استخدام منتجات “بالانتير” الأخرى، ومنها منصة “فاوندري” لتكامل البيانات وبرنامج “غوثام” لتخطيط المهام، ضمن خدمات مايكروسوفت السحابية المعتمدة من الحكومة. ودعما لتفعيل هذه الإمكانات، ذكرت الشركتان أنهما ستوفران “تجارب تمهيدية” لأجهزة الأمن والاستخبارات لتجربة هذه التقنيات المدمجة.

علاقات قائمة

تستند هذه الشراكة إلى علاقات الشركتين القائمة مع الجيش الأميركي في مجال الذكاء الاصطناعي. ففي مايو/أيار الماضي، طرحت مايكروسوفت نموذجا قائما على “جي بي تي-4” ضمن شبكة سحابية حكومية حصرا، إذ أصدرت الشركة نموذجا للذكاء الاصطناعي التوليدي منفصلا تماما عن الإنترنت، قائلة إن وكالات الاستخبارات الأميركية يمكنها استخدام هذه التقنية الفعّالة بأمان لتحليل المعلومات السرية للغاية، كما أشارت وكالة بلومبيرغ.

وصرّح أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في الشركة أن هذه أول مرة يعمل فيها نموذج لغوي كبير منفصل تماما عن الإنترنت. فبينما تعتمد نماذج الذكاء الاصطناعي على الخدمات السحابية، فإن مايكروسوفت أرادت توفير نظام آمن تماما لمجتمع الاستخبارات الأميركي.

Illustration shows ChatGPT logo

كما اقترحت شركة مايكروسوفت في أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، استخدام أداة توليد الصور الشهيرة “دال-إي” (DALL-E)، التي تطورها شركة “أوبن إيه آي”، لمساعدة وزارة الدفاع الأميركية في تصميم برمجيات لتنفيذ العمليات العسكرية، وفقا لمواد داخلية للعرض التقديمي التي اطلع عليها موقع “ذي إنترسبت”، وأشار لها في تقريره الصادر في أبريل/نيسان الماضي.

وتوفر مواد العرض التقديمي الخاصة بشركة مايكروسوفت، بعنوان “الذكاء الاصطناعي التوليدي باستخدام بيانات وزارة الدفاع”، تفاصيل عامة حول كيفية استفادة البنتاغون من أدوات وتقنيات تعلم الآلة الخاصة بشركة أوبن إيه آي، التي تشمل روبوت المحادثة الشهير “شات جي بي تي” ومولد الصور “دال-إي”، وذلك لمهام تتفاوت بين تحليل المستندات والمساعدة في صيانة الآلات.

تلك الوثائق التي قدمتها مايكروسوفت مستخرجة من مجموعة مواد كبيرة عُرضت في ندوة تدريبية لوزارة الدفاع الأميركية حول “الإلمام والتثقيف بتقنيات الذكاء الاصطناعي”، نظمتها وحدة القوات الجوية الأميركية في لوس أنجلوس في أكتوبر/تشرين الأول 2023. وتضمنت الندوة مجموعة مختلفة من العروض التقديمية من الشركات المتخصصة في مجال تعلم الآلة، بما فيها شركتا “مايكروسوفت” و”أوبن إيه آي”، بشأن ما يمكن أن تقدمه تلك الشركات للبنتاغون.

أنظمة متطورة

أما بالنسبة لشركة بالانتير، المعروفة بنشاطها المكثف مع وكالات الأمن الأميركية، فقد حصلت على عقد بقيمة 480 مليون دولار مع الجيش الأميركي لتطوير نظام “مافن” (Maven) الذكي، وهو نظام ذكاء اصطناعي متطور صُمم لتحديد أنظمة الخصم في الوقت الفعلي.

ويستفيد نظام “مافن” -المُستخدم حاليا في منطقة القيادة المركزية في الشرق الأوسط- من الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات من أنظمة استخبارات ومراقبة واستطلاع متعددة، ويحدد المخاطر المحتملة بسرعة ودقة عالية، في محاولة لمساندة العمليات العسكرية عبر تقليل الوقت اللازم لاكتشاف التهديدات والاستجابة لها، وفقا لبيان صحفي صدر في فبراير/شباط الماضي عن الحرس الوطني لولاية كنتاكي.

وفي شهر مارس/آذار الماضي، اختار الجيش الأميركي شركة “بالانتير” لتطوير نظام “تيتان” (TITAN)، في عقد بقيمة 178 مليون دولار. وذكرت الشركة أن هذا العقد سيسمح لها بتطوير تقنيات متقدمة في ساحة المعركة باستخدام الذكاء الاصطناعي.

وأضافت الشركة أنه بمجرد استخدام النظام، سيتمكن “تيتان” من اكتشاف التهديدات في عدة جهات، تشمل الفضاء والجو والبر والبحر والفضاء السيبراني، باستخدام تقنيات خاصة بشركات الأسلحة من بينها “نورثروب غرومان” و”أندوريل إندستريز” و”إل 3 هاريس تكنولوجيز” و”باسيفيك ديفنس”.

كما ذكرت الشركة أنها على مدى العامين القادمين ستعمل على تسخير إمكانات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة لمعالجة كميات أكبر من البيانات في ساحة المعركة. وقد التزمت الشركة بتسليم 10 أنظمة -نصفها مصنف على أنه متطور- لكي تُدمج في المركبات العسكرية التكتيكية.

شاركها.
Exit mobile version