حكم قاضٍ فدرالي أميركي أمس الاثنين بأن شركة غوغل قد تصرفت بصورة غير قانونية للحفاظ على احتكارها لقطاع البحث على الإنترنت، وهو قرار تاريخي يستهدف سلطة شركات التكنولوجيا العملاقة وقد يغير جذريًا أسلوب عملها، كما أشارت صحيفة نيويورك تايمز.
وذكر القاضي أميت بي ميهتا من المحكمة المحلية الأميركية لمقاطعة كولومبيا، في حيثيات حكمه المكون من 277 صفحة أن غوغل أساءت استغلال احتكار نشاط البحث على الإنترنت. ومن جهتها أعلنت شركة غوغل أنها تنوي استئناف الحكم الصادر بحقها.
وكانت وزارة العدل الأميركية والولايات قد رفعت دعوى قضائية ضد غوغل، متهمةً إياها بترسيخ هيمنتها بصورة غير قانونية، وذلك جزئيًا بدفع مليارات الدولارات سنويًا لشركات أخرى مثل آبل وسامسونغ، لكي تتولى غوغل افتراضيا معالجة طلبات البحث على الهواتف الذكية ومتصفحات الإنترنت الخاصة بهذه الشركات.
وذكر القاضي ميهتا في حكمه “شركة غوغل محتكرة، وقد تصرفت كشركة احتكارية للحفاظ على هيمنتها”.
نقطة تحوّل
هذا الحكم يعد حكمًا صارمًا بشأن صعود شركات التكنولوجيا العملاقة التي استخدمت نفوذها في الإنترنت للتأثير على أسلوب تسوقنا واستهلاكنا للمعلومات والبحث على الإنترنت، وقد يشير إلى احتمال وضع حد لسيطرة شركات التكنولوجيا الكبرى، وفقما أوضحت صحيفة نيويورك تايمز.
كما يُحتمل أن يؤثر هذا الحكم على دعاوى قضائية حكومية أخرى لمكافحة الاحتكار ضد شركات غوغل وآبل وأمازون وميتا. كان آخر حكم مهم لمكافحة الاحتكار ضد شركة تكنولوجية قد استهدف شركة مايكروسوفت منذ أكثر من عقدين.
من جهتها، قالت غوغل، في بيان صادر عن رئيسها للشؤون العالمية كينت ووكر، إن القرار يعترف “بأن غوغل تقدّم أفضل محرك بحث لكنه يخلص إلى أنه لا ينبغي السماح لنا بإتاحته بسهولة”. وأضاف “نعتزم الاستئناف في ظل هذه الظروف”.
أهم قضية لمكافحة الاحتكار
وذكرت ريبيكا هاو ألينسورث، الأستاذة في كلية الحقوق بجامعة فاندربيلت التي تدرس مكافحة الاحتكار، “هذه أهم قضية لمكافحة الاحتكار في هذا القرن، وهي الأولى من بين مجموعة كبيرة من القضايا التي ستصدر ضد شركات التكنولوجيا الكبرى. إنها نقطة تحوّل تاريخية”.
لم يتضمن الحكم الصادر أمس الاثنين أي تدابير تصحيحية لسلوك غوغل. وسيقرر القاضي ميهتا ذلك، مما قد يجبر الشركة على تغيير طريقة إدارتها أو بيع جزء من أعمالها، وفقما أوضحت نيويورك تايمز.
هذا الحكم أشبه بصدمة كبيرة لشركة غوغل، التي تأسس نجاحها الهائل على محركها البحثي وارتبط اسمها ارتباطًا وثيقا بفعل البحث على الإنترنت للدرجة التي تحول معها اسمها إلى فعل البحث نفسه.
قد يؤدي هذا الحكم إلى تداعيات كبرى على نجاح غوغل، خاصةً أن الشركة تنفق بكثافة للمنافسة في سباق الذكاء الاصطناعي. كما تواجه غوغل قضية فدرالية أخرى لمكافحة الاحتكار بشأن تكنولوجيا الإعلانات من المقرر أن تُعرض على المحكمة الشهر المقبل.
قضية ضد غوغل
جاء حكم القاضي ميهتا تتويجًا لقضية استمرت لسنوات، وأسفرت عن محاكمة استمرت 10 أسابيع العام الماضي.
في عام 2020، رفعت وزارة العدل والولايات دعوى قضائية بسبب هيمنة غوغل على مجال البحث على الإنترنت الذي يدرّ عليها أرباحًا بالمليارات سنويا. وأفادت وزارة العدل بأن محرك بحث غوغل يستحوذ على نحو 90% من عمليات البحث على الإنترنت، وهي نسبة اعترضت الشركة على صحتها.
تنفق الشركة مليارات الدولارات سنويًا لتصبح محرك البحث الافتراضي على متصفحات مثل سفاري التابع لشركة آبل وفايرفوكس التابع لشركة موزيلا. وقد دفعت غوغل لشركة آبل نحو 18 مليار دولار مقابل أن يكون محركها البحثي هو المحرك الافتراضي لأجهزة الشركة في عام 2021، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز.
وذكر كبير مسؤولي مكافحة الاحتكار في وزارة العدل جوناثان كانتر في بيان “هذا الحكم التاريخي يحمّل غوغل المسؤولية، ويمهد طريق الابتكار للأجيال القادمة، ويحمي وصول كافة الأميركيين إلى المعلومات”.
أما كينت ووكر، رئيس الشؤون العالمية في غوغل، فذكر أن الشركة ستستأنف ضد هذا الحكم.
هيمنة على البحث
وأثناء المحاكمة، أدلى ساتيا ناديلا الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت بشهادته بأنه قلق من أن هيمنة منافسه قد أوجدت “شبكة غوغل”، وأن علاقتها مع شركة آبل “احتكارية”. وأضاف أنه إذا استمرت غوغل دون رقابة أو رادع، فعلى الأرجح أنها ستسيطر على سباق تطوير الذكاء الاصطناعي أيضا.
وردّ سوندار بيتشاي الرئيس التنفيذي لشركة غوغل في شهادته بأن شركته توفر خدمة أفضل للمستهلكين. وقال محامو الشركة إن المستخدمين يختارون البحث عبر غوغل لأنهم وجدوه مفيدًا، وأن الشركة واصلت الاستثمار لتحسينه.
تؤكد الحكومة الأميركية أن الشركة عندما تدفع مليارات الدولارات لتصبح محرك البحث الافتراضي على أجهزة المستهلكين، فإنها تحرم منافسيها من فرصة تكوين نطاق عمل واسع لمنافسة محركها البحثي. ولكن ما فعلته غوغل هو جمع المزيد من البيانات عن المستهلكين، واستخدمتها لتحسين محركها البحثي وتعزيز هيمنته أكثر.
انحاز القاضي ميهتا إلى جانب الحكومة، قائلا إن غوغل كانت تحتكر خدمات البحث العامة على الإنترنت. فقد أضرّت اتفاقات الشركة لتكون محرك البحث الافتراضي على الأجهزة ومتصفحات الويب بالمنافسة، مما جعل من الصعب على المنافسين تحدي هيمنة غوغل.
كما اتهمت الحكومة شركة غوغل بحماية احتكارها للإعلانات التي تُعرض داخل نتائج البحث. فقد قال المحامون الحكوميون إن غوغل رفعت أسعار الإعلانات بما يتجاوز الأسعار التي يجب أن توجد في السوق الحرة، مما اعتبروها علامة على قوة وسيطرة الشركة. توفر إعلانات البحث مليارات الدولارات من العائدات السنوية لغوغل.
حكم القاضي ميهتا بأن احتكار غوغل سمح لها برفع أسعار بعض إعلانات البحث. وأضاف أن هذا بدوره منح الشركة المزيد من الأموال التي تستثمرها لمحركها البحثي لتحجز مكانة متميزة في هذا المجال.