بعد أن أسدلت الانتخابات ستائرها على صناديق الاقتراع، ولوّح دونالد ترامب بوشاح نصره الذي وصفه بالفوز السياسي الذي لم ترَ بلده مثيلا له من قبل، سادت موجة من الترقب والانتظار الأوساطَ الاقتصادية والتكنولوجية.

وبعدما عادت الأضواء إلى ترامب، ظهر تساؤل كبير من كبرى شركات التكنولوجيا حول مصيرها مع ساكن البيت الأبيض الجديد القديم، وأين سيكون موقعها في سياسات ترامب المرتقبة؟

وبينما يلوح في الأفق مستقبل غامض لعمالقة التكنولوجيا، تحتدم التحليلات والتوقعات بشأن تأثير التغييرات المحتملة في قوانين الخصوصية، وملفات مكافحة الاحتكار، وما قد تفرضه سياسات ترامب من واقع جديد على هذه الشركات التي تقود الثورة الرقمية العالمية.

ما الذي يعنيه فوز ترامب لشركات التكنولوجيا الكبرى؟

ينتظر العالم التكنولوجي رؤية ما ستعنيه ولاية ترامب الجديدة لقضايا مثل تنظيم الذكاء الاصطناعي، والهجرة، ومكافحة الاحتكار، وعمليات الاندماج والاستحواذ.

وعلى الرغم من خلافات كل من سيندار بيتشاي المدير التنفيذي لشركة “غوغل”، ومارك زوكربيرغ من “ميتا”، وتيم كوك من “آبل”، وآندي جاسي من “أمازون”، وساتيا ناديلا من “مايكروسوفت” مع دونالد ترامب من قبل، فإنهم كانوا سباقين في دعمه في وقت ستواجه فيه شركاتهم أربع سنوات جديدة من العمل تحت قيادة سياسي مؤثر أثبت أنه متقلب.

ووفقا لمجلة “وايرد” (Wired) الأميركية، أظهر ترامب ازدراءً تجاه شركات التكنولوجيا الكبرى، وكان صريحا في دعم سياسات من شأنها أن تزيد تكاليف ممارسة الأعمال التجارية لهذه الشركات، وتخضعها لمزيد من اللوائح.

وقد أعرب قادة ورجال الأعمال قبل الانتخابات عن قلقهم من أن إدارة غير متوقعة قد تقوّض استقرار أعمالهم.

من جهته، تعهد ترامب بالتراجع عن السياسات التي قد تعرقل النمو لبعض شركات التكنولوجيا، وقد يتبنى نهجا أكثر ترفعا عندما يتعلق الأمر ببعض عمليات الاندماج والاستحواذ في قطاع التكنولوجيا، وفقا لما يقوله محللون.

وتقول صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير لها إن الولاية الأولى لترامب كانت جامحة ولا يمكن التنبؤ بها، مما خلق بيئة أعمال يومية صاخبة لكبرى شركات التكنولوجيا، وكتبت معلقة “من الواضح أن المزيد من الفوضى وعدم اليقين ينتظرنا”.

إليكم كيف يمكن أن يوجه ترامب سياسة التكنولوجيا في ولايته الجديدة:


إيلون ماسك في أحضان ترامب

وعد ترامب بتشكيل حكومة مختلفة في ولايته الثانية في البيت الأبيض، حيث من المرجح أن يشمل مستشاروه بعض قادة الأعمال الذين قادوا حملته، ومن بينهم واحد من أقوى الشخصيات في مجال التكنولوجيا إيلون ماسك، حسب ما أشارت إليه صحيفة “بيزنس إن سايدر” (Business in sider).

لا يخفى على أحد أن ماسك هو الشخصية الأكثر وضوحا واستقطابا في صناعة التكنولوجيا، فقد فعل أكثر من أي شخص آخر في أميركا لانتخاب ترامب.

إذ حوّل الشبكة الاجتماعية “إكس”، التي يمتلكها، إلى مكبر صوت لحركة “ماغا” (MAGA) التي ظهرت بشكل بارز في حملة الانتخابات الرئاسية لدونالد ترامب عام 2016، وأغرق المستخدمين بالمحتوى المؤيد لترامب، وحث الناس على التصويت له، حسب ما أشارت إليه نيويورك تايمز.

ووفق الصحيفة نفسها، لم يضع أحد في وادي السيليكون ثقله على الميزان بهذه القوة، ولن يستفيد أحد من رئاسة ترامب الثانية أكثر من ماسك، الذي سيصبح أقوى رجل أعمال في أميركا إن لم يكن كذلك بالفعل.

تعيين ماسك في منصب رسمي في الإدارة الجديدة من قبل الرئيس ترامب مسؤولا عن إدارة الكفاءة الحكومية من شأنه أن يقطع قوة العمل الفدرالية، وسيكون ماسك في موقف يحسد عليه لاختيار من ينظم شركاته بما في ذلك “تسلا” (Tesla) للسيارات الكهربائية و”سبيس إكس” (SpaceX) للفضاء.

كما يمكنه أيضا محاولة طرد أي شخص يعترض طريقه، أو يمكنه أن يفعل بموظفي الحكومة ما فعله سابقا بموظفي “تويتر”، إذ أمر بتسريح ضخم للعمال ولم يبقِ سوى أولئك الذين يعتبرهم مخلصين، بحسب ما أشارت إليه نيويورك تايمز.

وفي سياق متصل، أشاد ترامب في خطابه ليلة الانتخابات بماسك، معجبا بصواريخ “سبيس إكس”، وقال “إيلون، إنه رجل مذهل”.

كما قالت بيتسي كوبر مديرة “أكاديمية آسبن للسياسة” (Aspen Policy Academy) “قد تكون هذه لحظة يتم فيها اختيار المفضلين بين لاعبي التكنولوجيا الكبار”.

U.S. President Donald Trump listens as Tim Cook, CEO of Apple speaks during an American Technology Council roundtable at the White House in Washington, U.S., June 19, 2017. REUTERS/Carlos Barria

 

الرسوم الجمركية والتجارة

أحد الاقتراحات التي تراقبها الأوساط التكنولوجية عن كثب هو الاقتراح الذي قدمه ترامب بشأن الرسوم الجمركية على الواردات، والذي قد يكون له تأثير كبير على شركات التكنولوجيا وإنفاق المستهلكين.

ففي العام الماضي، طرح ترامب فكرة فرض رسوم عالمية بنسبة 10%، ثم اقترح لاحقا فرض رسوم إضافية بنسبة 60% على الواردات من الصين، وما يصل إلى 100% على السلع القادمة من المكسيك.

وقد أثار هذا الأمر تساؤلات حول أعمال شركة آبل، حيث يتم تصنيع وتجميع أكثر من 95% من منتجاتها “هاردوير” (Hardware) في الصين، وكذلك حول تجار التجزئة الكبار وشركات التجارة الإلكترونية التي تعتمد بشكل كبير على المكونات والمواد الصينية.

وقالت الرابطة الوطنية لتجارة التجزئة الاثنين الماضي إن المتسوقين في الولايات المتحدة قد يفقدون ما يبلغ 78 مليار دولار من القدرة الشرائية السنوية، إذا تم تنفيذ الرسوم المقترحة ورفعت الشركات الأميركية الأسعار لتعويض خسائرها.

وقد تكون آبل أقل عرضة للخطر مما قد توحي به القراءة الأولية لهذه التعريفات، وفقا لشركة “بيرنشتاين” (Bernstein) للأبحاث المالية، التي أصدرت ملاحظة تفاؤلية الأربعاء الماضي بسبب قدرة الشركة على تحمل التعريفات الأعلى.

كما نوّعت آبل سلسلة إمداداتها من خلال إنتاج منتجاتها في مناطق مختلفة مثل فيتنام.

ويعتقد مؤسس شركة أبحاث المخاطر السياسية “يوراسيا غروب” (Eurasia Group) إيان بريمر أن صراخ ترامب قد يكون أسوأ من أفعاله، إذ يتوقع أن يبدأ ترامب بمقترحات مرتفعة للرسوم الجمركية، ثم يخفض معدل الرسوم بعد جولات من المفاوضات.

ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الزيادة الكبيرة في معدل الرسوم الجمركية على الصين ستدفع مصنعي الأجهزة إلى تحويل سلاسل الإمداد الخاصة بهم إلى دول ثالثة، مثلما فعلوا في إدارة ترامب السابقة.

وعلى نحو شبه عالمي، يقول المحللون الاقتصاديون إن الرسوم الجمركية الانتقامية قد تضر الشركات الأميركية أكثر، وقد انتقد ترامب قانونا ثنائي الحزب تم تمريره في عهد بايدن يهدف إلى تقليل اعتماد الولايات المتحدة على آسيا في صناعة الرقائق الإلكترونية، حيث أذن بإنفاق أكثر من 50 مليون دولار لتعزيز الإمداد المحلي من أشباه الموصلات.

وفي حلقة استمرت نحو ثلاث ساعات من برنامج “جو روغن إكسبيرينس” (Joe Rogan Experience) في أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قال ترامب إن قانون “الرقائق والعلوم” (CHIPS and science) لعام 2022 كان سيئا لأنه وجّه الأموال إلى شركات غنية بالفعل.

وقال إن الولايات المتحدة كان عليها فرض رسوم جمركية على الموردين الأجانب بدلا من ذلك، مما يجبرهم على إنفاق أموالهم الخاصة لبناء مصانع للرقائق في الولايات المتحدة.

كما انتقد بشكل خاص تايوان موطن شركة “تي إس إم سي” (TSMC) الشريكة الرئيسية لشركة “نيفديا” الأميركية لصناعة الرقائق، وقال “لقد سرقوا أعمالنا”.

وحسب ما أشارت إليه صحيفة نيويورك تايمز، فإن الولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على تايوان في جميع أنواع الرقائق، حيث يتم إنتاج حوالي 10% فقط من أشباه الموصلات في الولايات المتحدة.

وقال كوبر من أكاديمية آسبن للسياسات “هناك ضغوط متعارضة حيث يكون ترامب مؤيدا للصناعة الأميركية وضد قانون الرقائق، ولا يزال من غير الواضح أي اتجاه ستسير الأمور فيه”.

ما مصير العملة المشفرة؟

اعتاد ترامب التشكيك في العملات المشفرة، لكن على مدى العام الماضي أصبح داعما علنيّا لصناعتها، حيث قطع وعودا انتخابية لصالح قضايا الصناعة مقابل ملايين الدولارات من مجموعات مؤيدة للعملات المشفرة.

ومن ضمن هذه الوعود تخفيف عقوبة روس أولبريخت، مؤسس سوق المخدرات غير القانوني على الإنترنت “طريق الحرير” (Silk Road) والذي يقضي حاليا عقوبة السجن مدى الحياة والذي يعدّ بطلا شعبيا في دوائر العملات المشفرة الليبرتارية، وذلك في خطاب صاخب أمام مؤتمر الحزب الليبرتاري الوطني في مايو/أيار الماضي.

وقال وقتها “إذا صوتم لي، سأقوم في اليوم الأول بتخفيف عقوبة روس أولبريخت”.

وبحسب تقرير نيويورك تايمز، من المرجح أن يحصل قطاع العملات المشفرة على معظم ما يريد في واشنطن مع ولاية ترامب الثانية، بدءا بإقالة غاري جينسلر رئيس هيئة الأوراق المالية والبورصات، وهي وكالة تنظيمية قامت بتقديم عدد من الدعاوى القضائية ضد شركات التشفير خلال إدارة بايدن، حيث أصبح شخصية مكروهة بين شركات العملات المشفرة بسبب جهوده في تنظيم القطاع.

من جهة أخرى، الشركات التي كانت ملاحقة قضائيا أو قيد التحقيق في ظل إدارة بايدن، قد تغلق قضاياها تحت إدارة ترامب، ومن المرجح أن يكون للداعمين للعملات المشفرة تأثير كبير عندما يحين وقت صياغة القوانين الجديدة لهذا القطاع.

ونتيجة لذلك، قد ترتفع عملات الأسعار المشفرة إلى السماء، وأصلا قد شهدت أسعار بيتكوين ارتفاعا حادا مساء الثلاثاء الماضي بعد أن أظهرت نتائج الانتخابات الأولية فوز ترامب.

ومن المحتمل أن يشعر المستثمرون والمسؤولون التنفيذيون في مجال العملات المشفرة الذين ضخوا ملايين الدولارات في انتخاب ترامب ومرشحين آخرين مؤيدين للعملات المشفرة، بأنهم قد حصلوا على قيمة أموالهم، بحسب المصدر ذاته.

هدوء يسود مكافحة الاحتكار.. وسوء الحظ لا يزال يلاحق غوغل

تقول نيويورك تايمز إنه من المحتمل أن يتخلص ترامب وحلفاؤه من أي شخص مرتبط بمعارك إدارة بايدن ضد الاحتكار في الشركات الكبرى ووادي السيليكون، حيث صرح ماسك بالفعل بأن رئيسة لجنة التجارة الفدرالية لينا خان، التي قادت قضايا الوكالة ضد شركات مثل أمازون وميتا، سيتم فصلها.

حيث كان نهجها في تنفيذ قوانين مكافحة الاحتكار وسلطة الشركات مثيرا للجدل بشدة، وقد قال هوفمان المؤسس المشارك لمنصة “لينكد إن” لشبكة “سي إن إن” في يوليو/تموز الماضي “لينا خان شخصية لا تساعد أميركا”.

كما وصف دان آيفز المحلل في شركة “ويد باش” (WedBush) للخدمات المالية خان بأنها كابوس لقطاع التكنولوجيا، مضيفا أن هناك اعتقادا بين المحللين بأن مغادرتها ستكون عاملا محفزا لمزيد من الصفقات الكبرى في مجال التكنولوجيا.

كما يتوقع من ترامب إخلاء وزارة العدل واستبدال المسؤولين عن تقديم القضايا ضد شركات مثل آبل.

لكن لسوء حظه، العملاق التكنولوجي الوحيد الذي قد لا يستفيد من التغييرات في مجال مكافحة الاحتكار هو غوغل، حيث كان المحافظون المؤيدون لترامب، بمن فيهم جيه دي فانس المعروف بتوجهاته السياسية المحافظة ودعمه لسياسات ترامب، غاضبين من غوغل منذ سنوات.

وقد ادعوا ودون أدلة واضحة أن الشركة متحيزة ضد المحافظين، وساند ترامب الجهود لتفكيكها خلال ولايته الأولى.

تيك توك يقتنص الفرصة لينطلق مجددا

إحدى الشركات التكنولوجية التي قد تكون شربت نخب فوز ترامب هي شركة “بايت دانس” (ByteDance) الصينية المالكة لتطبيق “تيك توك”.

فبموجب مشروع قانون “حظر تيك توك” الذي تمّ تمريره من قبل الكونغرس الأميركي وتم التوقيع عليه ليصبح قانونا هذا العام، كان من المفترض أن تقوم “بايت دانس” ببيع عمليات “تيك توك” في الولايات المتحدة بحلول يناير/كانون الثاني المقبل، أو مواجهة حظر على مستوى البلاد.

ومن غير المرجح أن يحدث ذلك الآن لأن ترامب، الذي قضى جزءا كبيرا من ولايته الأولى في محاولة لحظر تيك توك، قد غيّر رأيه هذا العام بعد جهود ضغط مكثفة من قبل أحد كبار المستثمرين في “بايت دانس”، ومنذ ذلك الحين تعهد بإنقاذ المنصة في الولايات المتحدة، حسب ما أفادت به نيويورك تايمز.

ووفقا للمصدر ذاته، لا يستطيع ترامب إلغاء القانون دون موافقة الكونغرس، وقد تفقد تيك توك استئنافها في المحكمة، ولذلك احتمال أن يدخل حظر تيك توك حيز التنفيذ لا يزال واردا، ولكن قد يرفض ترامب ببساطة تطبيقه أو يفي بتعهده بترك الشركة وشأنها.

ماذا ينتظر الذكاء الاصطناعي؟

على الرغم من أن ترامب لم يتحدث كثيرا عن الذكاء الاصطناعي أثناء حملته الانتخابية، فإن نيويورك تايمز أكدت في تقريرها أن الذكاء الاصطناعي سيستمر في ظل إدارة ترامب الثانية وربما يتسارع أيضا.

إذ إن بعض النخبة التكنولوجية الذين دعموا ترامب بمن فيهم المستثمر مارك أندريسن، يرتبطون بالجناح التسارعي لحركة الذكاء الاصطناعي، ويعارضون أي تنظيمات قد تبطئ صناعته.

وبحسب الصحيفة نفسها، لن يقضي ترامب وقتا طويلا في التفكير في الذكاء الاصطناعي على الإطلاق، وقد يفوض الأمر إلى عضو في مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية أوهايو الأميركية جوش فانس، الذي يبدو أنه مهتم بموضوع الذكاء الاصطناعي.

ولكن حتى لو تأثرت آراء ترامب حول الذكاء الاصطناعي بالمحيطين به، فهي على الأرجح ستكون في اتجاه تشجيع الشركات الأميركية للتفوق على منافسيها في الصين وأماكن أخرى، وإزالة العوائق التنظيمية التي قد تعرقل تقدمها.

ووفق تقرير مجلة “وايرد” (Wired) الأميركية، فمن المحتمل أن تتضمن إستراتيجية ترامب إضعاف المنافس الكبير الصين، حيث فرضت إدارة ترامب السابقة عقوبات تهدف إلى تقييد قدرة شركات الذكاء الاصطناعي الصينية على القيام بأعمال تجارية مع الولايات المتحدة والوصول إلى الشرائح اللازمة لبناء ذكاء اصطناعي متطور، وهي قواعد تم تشديدها في عهد بايدن.

وقد تشهد فترة ترامب الثانية جهودا للحد من تصعيد الذكاء الاصطناعي الصيني، خاصة إذا بدأت حرب تجارية أوسع، بحسب التقرير نفسه.

في سياق مماثل، أكد ترامب في أوضح تصريحاته على إلغاء أمر تنفيذي أصدرته إدارة بايدن يهدف إلى الحد من الاستخدامات المحتملة الخطرة للذكاء الاصطناعي، والحماية من التحيز في الخوارزميات، وزيادة التدقيق الفدرالي في أقوى النماذج.

وقال في تجمع في ولاية آيوا في ديسمبر/كانون الأول الماضي إنه في اليوم الأول سيلغي الأمر، وحظر استخدام الذكاء الاصطناعي لفرض الرقابة على خطاب المواطنين الأميركيين، وقد حذر الخبراء من أن تفكيك هذا الأمر التنفيذي قد تكون له عواقب خطيرة مع استخدام التكنولوجيا على نطاق واسع.

في سياق متصل، يعتبر ماسك عنصرا مهما، حيث يدير شركة الذكاء الاصطناعي “إكس إيه آي” (xAI)، التي ستستفيد من التنظيمات الخفيفة، لكنه في الوقت نفسه يشعر بالقلق من المخاطر الوجودية الناتجة عن الذكاء الاصطناعي، وقد دعم مشروع قانون مثير للجدل في كاليفورنيا كان سيفرض معايير أمان على نماذج الذكاء الاصطناعي، وهو ما عارضته العديد من شركات هذا الأخير.

وقد كان الملياردير ماسك المؤيد لترامب منتقدا بشكل متكرر لشركة “أوبن إيه آي” (OpenAI)، التي شارك في تأسيسها قبل أن يغادر، ولشركة غوغل أيضا، حيث اتهم كلا الشركتين بتطوير خوارزميات ذكاء اصطناعي “مبالغ فيها” و”مصححة سياسيا”.

ويبدو أن رغبة ماسك في قيادة سباق الذكاء الاصطناعي من خلال شركته الخاصة “إكس إيه آي” (xAI)، جنبا إلى جنب مع النفوذ الكبير الذي قد يمارسه داخل إدارة ترامب، قد تجعل كلا من “أوبن إيه آي” وغوغل أهدافا محتملة، الأمر الذي يهدد قدرتيهما على تأمين عقود حكومية مربحة في المستقبل.

وسائل التواصل الاجتماعي تتحول إلى اليمين

لسنوات، كان الجمهوريون في واشنطن يجادلون بأن شركات وسائل التواصل الاجتماعي الرائدة في أميركا متحيزة ضدهم.

ووفقا لنيويورك تايمز، كان جزء كبير من هذا محاولة صريحة للضغط على وسائل الإعلام لجعل شركات وادي السيليكون خائفة من ردود الفعل لدرجة أنها قد تغير قواعدها لصالح المحافظين، بدلا من اهتمام حقيقي بالحياد على وسائل التواصل الاجتماعي.

والدليل على ذلك هو أن الجمهوريين أنفسهم لم يعلقوا بكلمة واحدة على حملات ماسك المؤيدة لترامب على منصة “إكس”.

وأضافت الصحيفة أن منصة إكس ستكون بيئة مناسبة في ولاية ترامب الثانية، وقد تشهد بعض الشبكات الاجتماعية البديلة، مثل “ثريدز” و “بلوسكاي”، زيادة في عدد المستخدمين الذين يميلون إلى اليسار والذين يلومون إكس وماسك نفسه على مساعدته ترامب في الوصول إلى الرئاسة.

ومن المتوقع أن تسلك المزيد من الشركات الكبرى لوسائل التواصل الاجتماعي الطريق نفسه الذي سلكته إكس، إذ ستقوم بتحويل سياساتها وممارساتها إلى اليمين بشكل استباقي لتجنب الصراعات مع الإدارة الجديدة.

من جهة أخرى، يمنع قانون أميركي يعرف باسم “المادة 230” حاليا محاسبة منصات الإنترنت عما ينشره المستخدمون أو يشاركونه، وقد أنقذ هذا القانون منصات مثل “يوتيوب” و”فيسبوك” و”سناب شات” من دفع مليارات الدولارات تعويضات قانونية لمنشئي المحتوى والمشاهدين وأهالي المستخدمين الذين زعموا أنهم تضرروا بما يشاهدونه من تصميم ضعيف واختيارات سيئة في الاعتدال على المحتوى من قبل عمالقة التكنولوجيا.

وقبل مغادرته منصبه في ولايته الأولى، هدد ترامب باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قانون مهم للإنفاق الدفاعي ما لم يقم المشرعون بإلغاء درع المسؤولية عن شركات التكنولوجيا.

وفي تغريدة له في ذلك الوقت، وصف ترامب المادة 230 بأنها تهديد للأمن الوطني ونزاهة الانتخابات، وأضاف “بلادنا لا يمكن أن تكون آمنة ومأمونة إذا سمحنا لهذا القانون بالبقاء”.

وأشارت مجلة وايرد الأميركية إلى أنه إذا حصل الجمهوريون على السيطرة الكاملة على الكونغرس خلال ولاية ترامب الجديدة، فقد يصوتون ضد الديمقراطيين لمنح ترامب الإلغاء الذي يريده وفتح الأبواب أمام الدعاوى القضائية.

هل يتحول وادي السيليكون إلى اللون البنفسجي؟

وفقا تحليلات نشرتها صحيفة نيويورك تايمز، فإن هنالك العديد من الطرق التي قد تتحول بها ولاية ترامب الثانية إلى كارثة لوادي السيليكون، وقد يصبح قادة التكنولوجيا غير راضين عنه إذا كانت وعود حملته الانتخابية مثل التشديد على الهجرة الذي سيؤثر على خطط التوظيف لديهم، والرسوم الجمركية التي ستجعل منتجاتهم أكثر تكلفة، أو السياسات المناهضة للإجهاض التي تهدد صحة الموظفات، ستسبب اضطرابات كبيرة.

ووفق الصحيفة، فإنه في المدى القريب ستكون العلامة الأكثر وضوحا على قبول ترامب المتزايد بين النخبة التكنولوجية هي إذا توقف دعم ترامب عن كونه “تابو اجتماعيا”.

وادعى هاري ستبنجز، وهو مستثمر يقدم بودكاست يحظى بشعبية بين طبقة المستثمرين في وادي السيليكون، مؤخرا في منشور على حسابه في منصة إكس أن 90% من ضيوفه يرفضون مناقشة السياسة والانتخابات في البرنامج، ثم يعلنون دعمهم لترامب بمجرد انتهاء التسجيل.

والآن بعد فوز ترامب، قد يشعر العديد من هؤلاء النخبة بالجرأة للتعبير عن آرائهم، وإذا فعلوا ذلك فقد تتغير أجواء الصناعة بالكامل، مما يجعل وادي السيليكون يبدو شبيها بولاية متأرجحة.

مع هذه الانطلاقة الجديدة لعلاقة تشوبها التحديات بين سياسات ترامب وقطاع التكنولوجيا، يجد وادي السيليكون نفسه أمام مستقبل قد يعيد رسم حدود الإبداع والتنظيم.

فهل ستكون ولاية ترامب الجديدة فرصة للتقدم أم عائقا أمام الابتكار؟ الأيام القادمة وحدها ستكشف لنا ملامح مشهد الثورة الرقمية القادم.

شاركها.
Exit mobile version