لم تكن علاقة مارك زوكربيرغ وشركة “ميتا” تباعا مع إدارة دونالد ترامب والجناح الجمهوري دوما جيدة، وذلك رغم أنها تحسنت في الآونة الأخيرة بعد فوز ترامب بدورة رئاسية جديدة، إلا أنها بدأت بشكل مضطرب للغاية.
تعود هذه الاضطرابات بشكل أساسي لنقطتين، الأولى، وهي منشورات ترامب عبر منصات التواصل الاجتماعي التي تراها بعض المنصات مسيئة وتدفع على الكراهية، فضلا عن سياسة “فيسبوك” و”ميتا” المنفتحة والتي تميل بشكل رئيس إلى الجانب الليبرالي الأيسر.
لم يحدث التقارب في وجهات النظر هذه بشكل عشوائي أو نتيجة يوم واحد، بل كانت نتيجة جهود مضنية من جانب جويل كابلان، رجل الجناح الأيمن في “فيسبوك” وأكبر عضو في جماعات الضغط الجمهورية داخل الشركة.
أمضى كابلان السنوات التسعة الماضية منذ منشور ترامب على “فيسبوك” عام 2015 في التقريب بين “ميتا” وترامب حتى يقف اليوم زوكربيرغ إلى جانب أسرة ترامب أثناء حفل تنصيب الرئيس الأميركي الحالي، فكيف مضت هذه الرحلة؟
بداية الصراع في 2015
نشر دونالد ترامب في نهاية عام 2015 منشورا مسيئا عبر منصة “فيسبوك” يطالب فيه بمنع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، وهو المنشور الذي تسبب في ضجة عالمية كبيرة من مختلف الجهات فضلا عن موظفي “فيسبوك” أنفسهم الذين طالبو بحذف المنشور كجزء من سياسة الشركة لمواجهة خطاب الكراهية.
طلب كابلان -وهو أحد أفراد إدارة جورج بوش السابقة فضلا عن منصبه آنذاك في “فيسبوك”- من زوكربيرغ ألا يتم حذف المنشور من المنصة، ولاحقا، وصل مجلس إدارة “فيسبوك” لقرار، إذ يستثنى السياسيون من قوانين تنظيم المحتوى في المنصة، ليتاح لهم نشر ما يرغبون به، وهو القرار الذي أثار غضب زوكربيرغ وقام بمهاجمته علنا.
وبشكل تدريجي، نما دور كابلان داخل “فيسبوك”، ليصبح هو الرجل المنشود فيما يتعلق بمراقبة المحتوى وإدارته، ومن جانبه، استمال كابلان قوانين مراقبة المحتوى داخل “فيسبوك” لصالح الجمهوريين، ليترك لهم حرية الحديث بشكل تدريجي داخل المنصة، وذلك رغم أن المدير التنفيذي زوكربيرغ كان ميالا بشكل واضح إلى الجناح الليبرالي الأيسر.
استمر دور كابلان في النمو داخل المنصة بعد فوز ترامب عام 2016، وفي النهاية، انتقل كابلان ليشغل منصب نائب رئيس المنصة لشؤون السياسات العالمية، ومن منصبه الجديد، سعى الجمهوري لاستمالة المنصة إلى جانب أصدقائه بشكل كبير، ممهدا للانتقال العلني التام الذي شهدناه في الأيام الماضية.
من جويل كابلان؟
انضم جويل كابلان إلى “ميتا” عام 2011 بعد أن شغل منصب نائب رئيس الأركان لمدة 8 أعوام في إدارة جورج بوش، وسابقا كان ضمن قوات “المارين” فضلا عن عمله كاتبا لدى قاضي المحكمة العليا أنطونين سكاليا إلى جانب عمله لفترة في مجال الضغط على شركات الطاقة.
في ذلك الوقت، أجرى كابلان مقابلةً في برج ترامب عام 2016 ليشغل منصب الإشراف على مكتب الإدارة والميزانية وفقا لأشخاص مطلعة على الأمر رفضوا الكشف عن هويتهم لصحيفة “واشنطن بوست”.
وفي عام 2018، ظهر كابلان بشكل علني في جلسة تأكيد تعيين بريت م كافانو مما أثار جدلا واسعا بين موظفي الشركة، كون الأخير معروف بمواقفه اليمينية، كابلان لاحقا برر موقفه بأنه كان يساند صديقا قديما من دون أي سبب آخر.
ورغم ميل وادي السيليكون إلى الجانب الليبرالي بشكل واسع في ذلك الوقت، إلا أن كابلان تمكن من ترتيب عشاء خاص لزوكربيرغ وزوجته تشان في البيت الأبيض، كما أن كوري ليفاندوفسكي مدير حملة ترامب السابق أجرى مقابلة عمل في “ميتا”.
ورغم أن ليفاندوفسكي لم يحصل على الوظيفة، إلا أنها ذهبت لشخص آخر من موالي ترامب، وهي ساندرا لوف التي كانت مديرا تشريعيا سابقا في عهد السيناتور جيف سيشنز (ألاباما)، الذي شغل منصب المدعي العام لترامب. وقد أنشأ مجموعة ضغط مناهضة للصين تدعى “أميركان إيجل” (American Edge).
هجوم واسع من اليمنيين
استمالة ترامب إلى جانب “فيسبوك” لم يكن يسيرا، إذ بدأ في الوقت ذاته هجوم واسع من ترامب ومؤيديه من الجناح الجمهوري ضد “فيسبوك”، وذلك عقب اتهامهم المنصة بتحيزها ضد الجناح الجمهوري ونشر أخبار كاذبة مهاجمة لترامب وأتباعه.
حاول كابلان في تلك الفترة تحييد الأزمة قدر الإمكان وتقريب المواقف، وقد أثمرت جهوده عن ترك المجال مفتوحا أمام المنصات التي تنشر بعض الأخبار الكاذبة لصالح الجانب الجمهوري من دون حظرها أو إيقافها، ولاحقا حاول كابلان تغيير خوارزمية “فيسبوك” لتقوم بعرض أخبار الجمهوريين.
وظل كابلان يعمل بشكل خفي في إدارة “فيسبوك” من أجل منح الجمهوريين فرصة للمنافسة ضد الليبراليين، بما في ذلك تقويض جهود المنصة في انتخابات عام 2020، وعندما قام ترامب إلى جانب بعض مؤيديه بنشر اعتراضات واضحة على دور “فيسبوك” في الانتخابات، تمكن كابلان من إقناع إدارة المنشور بعدم حذف هذه المنشورات وتركها.
تأزم الأمر بين “فيسبوك” وترامب بعد منشوره عام 2020 أثناء مظاهرات جورج فلويد التي انتهت بأعمال عنف واسعة في البلاد، إذ طلب موظفو قسم تدقيق المحتوى من كابلان حذف هذه المنشورات خوفا من اتهام المنصة بالتحريض على العنف، وهو الأمر الذي رفضه كابلان قائلا إن “فيسبوك” هي منبر حر للجميع، ولاحقا في عام 2021، تم حظر حساب ترامب في العديد من المنصات التواصل الاجتماعي بما فيهم “ميتا”.
عهد جمهوري جديد في “فيسبوك”
مع مطلع عام 2025 وظهور أنباء فوز ترامب في الانتخابات الأخيرة قام زوكربيرغ بالإعلان عن مجموعة من التغييرات لمحاولة استمالة الإدارة الجديدة، إذ أعلن تخليه عن سياسة مراقبة المحتوى وجعل المنصة أكثر حرية، كما أن الشركة تتخلى عن مواقفها من التعدد والشمولية التي تبنتها في السنوات الماضية، لدرجة أن زوكربيرغ استخدم ألفاظا مثلا “المثلية الجنسية” و” التحول الجنسي”، وهي ألفاظ تبغضها الجماعات الحقوقية.
وامتدت سياسة الشركة الجديدة أيضا إلى وسائل التواصل الداخلية التي أصبحت أكثر صرامة مما سبق ولم يعد هناك مجال للمناقشات السياسية بشكل كبير، وهو الذي جعل موظفي الشركة حريصين قدر الإمكان للحفاظ على وظائفهم.
لا يمكن التنبؤ بما تحمله فترة ترامب الجديدة للوضع العام في الولايات المتحدة، إلا أن زوكربيرغ قد وضحه موقفه من الإدارة الجديدة واختار أن تكون “ميتا” في جانب الإدارة الجديدة.