ربما لم يدم جلوس كولين هوانغ على مقعد أغنى رجل في الصين كثيرا، إذ تمكن مؤسس متجر “تيمو” (Temu) لبيع المنتجات الرخيصة من الوصول إلى هذا اللقب مطلع أغسطس/آب، وخسره قبل نهاية الشهر ذاته، ولكن هذا لا يعني أن إمبراطوريته انهارت، بل كان هذا إشارة إلى ملياردير صاعد قد يتسلق قائمة “فوربس” لأغنى الأشخاص في العالم السنوات القادمة.
ورغم أن متجر “تيمو” تمكن من تحقيق أرباح مهولة في الأسواق العالمية، فإن وصول هوانغ إلى مكانة الرجل الأغنى في الصين لم يكن بفضل المتجر وحده، بل ساهم متجر “بيندودو” ( Pinduoduo) في هذا النجاح، وهو متجر آخر يملكه هوانغ ويعد رائجا للغاية في الصين.
ولكن كان متجر بيندودو السبب الرئيسي في سقوط هوانغ من مكانته، وذلك لأن أسهم الشركة انخفضت 25% متسببة في خسائر وصلت 14.1 مليار دولار، لتنخفض بذلك قيمة هوانغ إلى 35.2 مليار دولار وتراجع مركزه بين أثرياء الصين إلى المركز الرابع والمركز الـ45 بين أثرياء العالم، فكيف تمكن هوانغ من صعود هذه القائمة في عالم يعج بالمنافسين ويسيطر عليه “علي إكسبريس” و”أمازون”.
بدايات متواضعة
ولد كولين هوانغ عام 1980 لأبوين عاملين في أحد مصانع مدينة هانغتشو التابعة لمقاطعة تشجيانغ التي تتخذها “علي بابا” مقرا لها، ورغم نشأته البسيطة وسط مئات الآلاف من أبناء العاملين في مصانع هانغتشو، فإن نبوغه في الرياضيات جذب أنظار معلميه حتى طلب منه أحد المعلمين خوض اختبار الدخول لمدرسة “مدرسة هانغتشو للغات الأجنبية”.
تمكن هانغو من تحقيق المطلوب منه لدخول هذه المدرسة المرموقة، وحسب تدوينة نشرها عبر حسابه على “ميديوم” (Medium)، فإن دخوله هذه المدرسة كان سببا حقيقا في النجاح الذي وصل إليه اليوم، إذ كانت من المدارس التي تعتمد الفلسفة الغربية، مما أثر عليه بشكل إيجابي.
وقبل أن يتم عامه الـ20، تمكن هوانغ من الوصول إلى الإنترنت وسط ثلة قليلة من الطلاب في الصين، وهذا مكنه من تكوين صداقات دولية كما عزز ارتباطه بالحاسب وعلومه المتنوعة، وهو الأمر الذي يسر عليه الحصول على منحة “مؤسسة ميلتون” التي أطلقها بيل ميلتون مؤسس شركة “فيريفون” (VeriFone).
ثم انتقل هوانغ بعد ذلك ليشغل وظيفته الأولى متدربا في “مايكروسوفت” بمكتب الشركة في بكين، ولاحقا انتقل إلى مقر للشركة في ريدموند واشنطن، حيث قفز راتبه بشكل كبير، وبفضل رغبته المستمرة في التعلم والتطور، وضع “غوغل” التي كانت لا تزال شركة ناشئة وقتها نصب عينيه، ليتمكن لاحقا من العمل بها ضمن أعضاء فريق التطوير البرمجي قبل أن ينتقل إلى قسم إدارة المنتجات، وقد تزامن هذا مع محاولات الشركة لدخول السوق الصيني، وهو الأمر الذي ساهم فيه هوانغ.
عاد هوانغ عام 2006 ليستقر في الصين ضمن مساعي “غوغل” للانطلاق في الصين، ورغم التحديات العديدة التي واجهت هذه العملية، فإن هوانغ أشار إلى الخبرات التي اكتسبها في الشركة والتي يسّرت حياته وإطلاقه برنامجه الخاص.
مجموعة من الشركات قبل تحقيق النجاح
ترك هوانغ العمل في “غوغل” عام 2007، وانتقل ليعمل في عدة شركات أخرى وذلك بالتزامن مع إطلاق أول متجر إلكتروني له تحت اسم “أوكو” (Ouku) الذي لا يزال نشطا حتى يومنا هذا، ولكن تحت ملكية جديدة بعد أن باعها عام 2010، ثم قام بتأسيس شركة أخرى تدعى “لي” (Leqi)، وهي شركة تهدف لمساعدة العلامات الأجنبية في اختراق القطاع الصيني، كما يشير موقع “بيندودو” إلى تأسيسه لشركة “شينيودي” ( Xinyoudi) لتطوير الألعاب عام 2011 رغم عدم وجود مصدر واضح يؤكد شركة تحمل هذا الاسم في يومنا هذا.
وعام 2020، انتبه موقع “ذا فايننشال تايمز” إلى هوانغ ومنحه لقب ملك الإنترنت السري في شنغهاي، وذلك نظرا لتوسع أعماله وانتشاره في عديد من الشركات العاملة عبر الإنترنت في مختلف القطاعات.
وبحلول عام 2015، أسس هوانغ شركة “بي بي دي هولدينغ” (PDD Holdings) التي كانت السبب الحقيقي وراء النجاح الذي نشهده اليوم، إذ تمتلك الشركة أكثر من منصة تجارة إلكترونية من ضمنها “تيمو” و”بيندودو”، وخلال ذلك العام، تمكن هوانغ من الحصول على استثمار بحجم 8 ملايين دولار متبوعا بـ100 مليون دولار مع نهاية العام التالي.
في قلبها، كانت “بيندودو” متجرا إلكترونيا رغم اختلاف آليات العمل الخاصة به، إذ كانت تعتمد على تجربة تسوق تشبه الألعاب، وذلك عبر تقديم مجموعة من التحديات التي توفر تخفيضات للمتسوقين، وقد تمكنت من النجاح في وقت قصير بشكل جعلها تدرج في بورصة “ناسداك” عام 2018 دون حضور هوانغ لهذه الجلسة على عكس المتوقع من رواد الأعمال الذين ينتظرون هذه اللحظة، ولكن في الوقت ذاته، كان هوانغ استثمر وقته في البوذية وبدأ يتعلق بها، وذلك قبل أن يتخلى عن منصب المدير التنفيذي عام 2020 ليحل محله تشين لي، وهو أحد الأعضاء المؤسسين في الشركة.
سياسة تعتمد على التسويق
في سبتمبر/أيلول 2022 أطلقت شركة “بي دي هولدينغز” تطبيق التسوق المخفض الخاص بها “تيمو” (Temu) في الولايات المتحدة، وعبر مجموعة من الخطوات التسويقية الناجحة مثل إعلان في بطولة “سوبر بول” (Super Bowl) تمكن التطبيق من الصعود إلى قمة قائمة التطبيقات المحملة من متاجر “أندرويد” و”آيفون”.
بشكل أساسي، يعتمد “تيمو” على توفير تشكيلة واسعة من المنتجات المخفضة من المتاجر الصينية فضلا عن إضافة بعض العبارات التسويقية الناجحة، مثل “تسوق كمليونير” أو “أسرع قبل أن تنفد الكمية”، ورغم أن “علي إكسبريس” يقدم المزايا نفسها، فإن “تيمو” يركز أكثر على تجربة المستخدم وتخصصيها بشكل أفضل لتناسب المستخدم الأميركي أو الأوروبي.
وخلال وقت قياسي، تمكن التطبيق من النجاح ورفع مبيعات الشركة الأم لتتجاوز 34.9 مليار دولار عام 2023 في قفزة تمثل 90% عن العام الذي يسبقه مقارعا بذلك المتاجر الأميركية الشهيرة مثل “تارغت” (Target) و”وول مارت” (Wall Mart).
تحديات قانونية
لحقت وصمة التطبيقات الصينية بـ”تيمو”، على غرار معاصره “تيك توك”، وبدأ عديد من المستخدمين في رفع قضايا على الشركة متهمين إياها ببيع معلومات المستخدمين، فضلا عن سرقة البيانات بشكل كبير، وهي الاتهامات ذاتها الموجهة لمنصة “تيك توك”.
ويذكر أن التطبيق يواجه دعوى قضائية جماعية في ولاية إلينوي الأميركية بسبب مشاكل تسريب البيانات، وذلك إلى جانب مجموعة من المطالبات من أعضاء مجلس الشيوخ لمواجهة التطبيق والتحقيق في أمره عقب ادعاءات متعلقة بالخصوصية وعمالة الأطفال واستغلال القوانين الأميركية لصالحه.
في الوقت الحالي، يتربع كولين هوانغ على المركز الرابع في قائمة الأغنى بالصين والـ45 في قائمة الأغنى عالميا، وذلك بعد أن حول تركيزه إلى بناء منصة توفر الطعام بشكل صحي وتحمي الحقول الطبيعية، وإذا تمكن من تحقيق النجاح ذاته في هذه المبادرة مثلما فعل في أوقاته السابقة، فإن هذا يعني أننا أمام إمبراطورية جديدة تولد.