طور باحثون جيلا جديدا من تقنية كريسبر تمنح مسارا أكثر أمانا لعلاج أمراض وراثية مثل فقر الدم المنجلي.

وطور التقنية الجديدة باحثون من جامعة نيو ساوث ويلز الأسترالية بالتعاون مع زملائهم في الولايات المتحدة في مستشفى سانت جود لأبحاث الأطفال، ممفيس، ونشرت نتائج دراستهم في مجلة نيتشر كوميونكيشنز (Nature Communications) في 27 يوليو/ تموز الماضي وكتب عنها موقع يوريك أليرت.

تشكل تقنية كريسبر أساس تقنية تحرير الجينات التي تمكّن العلماء من العثور على الأجزاء المعيبة من الحمض النووي وتغييرها، غالبا عن طريق استبدالها بأجزاء سليمة.

تسخّر هذه التقنية عملية طبيعية لوحظت لأول مرة في البكتيريا التي تحارب الفيروسات الغازية عن طريق “قص” خيوط الحمض النووي للفيروس.

عمل الجيل الأول من أدوات كريسبر المخبرية عن طريق قطع تسلسلات الحمض النووي لتعطيل الجينات المعيبة، أما الجيل الثاني فقد سمح للباحثين بتكبير وتصحيح الأحرف الفردية في الشفرة الوراثية، لكن كلا النهجين تضمنا قطع الشفرة الوراثية، مما يصاحبه خطر حدوث تغييرات غير مرغوب فيها قد تسبب مشاكل صحية أخرى.

أما الجيل الثالث -المعروف باسم التحرير فوق الجيني- فينظر إلى سطح الجينات الموجودة في نواة كل خلية في الجسم. فبدلا من قطع خيوط الحمض النووي لإزالة الجينات المعيبة أو تعديلها، تزيل هذه الطريقة مجموعات الميثيل المرتبطة بالجينات الصامتة أو المثبطة.

فقر دم المنجلي

يقول الباحثون إنه يمكن استخدام التحرير فوق الجيني لعلاج الأشخاص المصابين بأمراض مرتبطة بفقر الدم المنجلي، وهي طفرات جينية تغير شكل ووظيفة خلايا الدم الحمراء، مما يؤدي إلى ألم مزمن وتلف الأعضاء وانخفاض متوسط العمر المتوقع.

يقول البروفيسور ميرلين كروسلي، الباحث المشارك في الدراسة ونائب رئيس جامعة نيو ساوث ويلز للجودة الأكاديمية: “كلما قطعت الحمض النووي، زاد خطر الإصابة بالسرطان. وإذا كنت تجري علاجا جينيا لمرض مزمن، فهذا خطر كبير. لكن إذا استطعنا تقديم علاج جيني لا يتضمن قطع خيوط الحمض النووي، فسنتجنب هذه المخاطر المحتملة”.

تستخدم الطريقة الجديدة -بدلا من القطع- نظام كريسبر معدّل لتوصيل إنزيمات تزيل مجموعات الميثيل من الحمض النووي، مما يحسّن بشكل فعّال من قدرة الجينات المسكّتة على العمل.

ناقش العلماء لعقود ما إذا كانت مجموعات الميثيل -وهي مجموعات كيميائية صغيرة تتراكم على الحمض النووي- مجرد مخلفات تتراكم في الجينوم حيث تعطّل الجينات، أم أنها السبب الحقيقي لقمع الجينات.

أظهر الباحثون أن إزالة هذه العلامات يمكن أن تعيد تشغيل الجينات، مؤكدين أن مجموعة المثيل لا ترتبط فقط بإسكات الجينات، بل هي المسؤولة عنها بشكل مباشر.

الصورة الكاملة

يلعب جين الغلوبين الجنيني دورا حاسما في توصيل الدم المؤكسج إلى الجنين النامي في الرحم، ويقول الباحثون إن إعادة تشغيله بعد الولادة يمكن أن يوفر حلا بديلا ممتازا لجين الغلوبين البالغ المعيب الذي يسبب مرض فقر الدم المنجلي.

يقول البروفيسور كروسلي: “يمكنك تشبيه جين الغلوبين الجنيني بعجلات التدريب على دراجة الطفل، نعتقد أنه يمكننا إعادة تشغيله لدى الأشخاص الذين يحتاجون إلى عجلات جديدة”.

أجريت جميع الأعمال لتحقيق ذلك حتى الآن في مختبر على خلايا بشرية في أنبوب اختبار بجامعة نيو ساوث ويلز وممفيس.

تقول البروفيسورة كيت كوينلان، المشاركة في الدراسة، إن هذا الاكتشاف واعد ليس فقط للأشخاص المصابين بمرض فقر الدم المنجلي، بل أيضا بأمراض وراثية أخرى، حيث يجنّب تشغيل جينات معينة أو إيقافها عن طريق تغيير مجموعات الميثيل قطع خيوط الحمض النووي.

وأوضحت أنهم متحمسون لمستقبل التحرير الجيني، إذ تظهر دراستهم أنه يمكّنهم من تعزيز التعبير الجيني دون تعديل تسلسل الحمض النووي. ومن المرجح أن تقلل العلاجات القائمة على هذه التقنية من خطر الآثار السلبية غير المقصودة مقارنة بالجيل الأول أو الثاني من تقنية كريسبر.

بعد بضع سنوات -بمجرد اكتمال الاختبارات على الحيوانات والتجارب على البشر- سيبدأ الأطباء الذين يستخدمون الطريقة الجديدة لعلاج فقر الدم المنجلي بجمع بعض خلايا الدم الجذعية للمريض التي تنتج خلايا دم حمراء جديدة.

وسيستخدمون التحرير الجيني وفي المختبر لإزالة العلامات الكيميائية الميثيلية من جين الغلوبين الجنيني لإعادة تنشيطه. بعد ذلك، تعاد الخلايا المحررة إلى المريض، حيث تستقر مرة أخرى في نخاع العظم وتبدأ في إنتاج خلايا دم أكثر كفاءة.

شاركها.
Exit mobile version