في عالم الطيران، كانت «الشركات الناقلة» هي الفكرة التي ربطت جهات الأرض، لكنها ظلّت تتأرجح بين صعود وهبوط، تجاهد رياح الزمن وتحديات الجغرافيا.. وبين شروق الأمجاد وغروب الأسماء، هناك تاريخ لا يخبو، سطّره هدير المحركات فوق السحاب.
لم تكن هناك شركات ناقلة في البدايات، كانت أول شركة طيران ركاب في العالم هي «الخطوط الجوية الهولندية» KLM التي تأسست عام 1919م، وسيّرت أول رحلة منتظمة لها بين أمستردام ولندن في عام 1920، أما أول شركة حملت لقب «الناقل الوطني» فكانت الخطوط الجوية البريطانية التي أُنشئت عام 1924م كمشروع يهدف إلى ربط أطراف الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.
لاحقاً، توالى تأسيس شركات الطيران حول العالم لتلبية الطلب المتزايد على السفر الجوي، ولتحقيق الأرباح من هذا السوق الجديد، كما أنها أصبحت وسيلة لتجسيد الهويّة للدول، فظهرت خلال القرن الماضي أسماء عملاقة كانت لها الهيمنة في الأجواء مثل «بان أمريكان» التي كانت رمزاً للهيبة، ولكن مثلما تتقلب الرياح، تلاشت تلك الشركات تحت وطأة الديون وسوء الإدارة أو التحولات الاقتصادية، كما حدث مع شركة TWA العريقة.
بعض الشركات اختفت باندماجها في كيانات أكبر، مثل «نورث ويست» التي اندمجت مع «دلتا»، و«كونتننتال» التي ذابت داخل «يونايتد»، ومع ترسّخ شركات الطيران في حياة الناس، تطوّر التنافس بينها من التركيز على المسارات الجديدة والربط بين العواصم إلى التميّز في جودة الخدمة على متن الطائرة، حيث ظهر مفهوم «الضيافة الجوية» وتسابقت الشركات لتقديم أفضل الوجبات وأوسع المقاعد وأفخم التصاميم و أجمل المضيفات!
في العصر الحديث، أصبحت المنافسة أكثر شراسةً وتعقيداً حيث دخلت على الخط معايير الكفاءة التشغيلية، ونماذج التسعير، ومرونة الحجوزات، وتعدد الوجهات، وبرامج الولاء.
عبر السنوات برزت نوعية الأساطيل كأحد العلامات المهمة، فارتبطت مراحل التنافس ببعض الطرازات التي كانت تمثّل نقلة من مرحلة إلى أخرى، من البوينج 767 التي قرّبت القارات، إلى الإيرباص 340 والأربعة محركات لافتتاح مسافات أبعد، إلى الملكة B747 التي تربّعت على عرش النقل الجوي، ثم الإيرباص A380 التي أعادت تعريف الفخامة، قبل أن تفقد جاذبيتها مع ارتفاع التكاليف لصالح الطائرات ذات المحركين كـ B777 وA350 التي تستطيع الطيران لمدة تتجاوز 16 ساعة بكفاءة وربحية أعلى، ثم جاءت موجة «الناقلات منخفضة التكلفة» لتغيّر قواعد اللعبة، وتجعل الطيران أكثر اقتصاداً وانتشاراً.
إن تاريخ شركات الطيران يعكس في بعض تحولاته تغيّر العالم دولاً ومجتمعات، وما صعود شركات الطيران الخليجية في العقود الأخيرة إلا دليل على التقدّم الاقتصادي والتقني الذي كان الطيران أحد ملامحه.
في المقابل؛ تغيّرت نظرة الناس للطيران ذاته؛ فبعدما كان مجرد ركوب الطائرة حلماً ومظهراً للرفاهية، غدا أمراً عاديّاً بل مرهقاً أحياناً، الأمر الذي فرض على الشركات تحديّاً جديداً لخلق تجربة سفر مختلفة.
في المرّة القادمة؛ وأنت تختار شركة الطيران التي ستسافر معها، تذكّر أن تلك الشركات ليست أسماء وألواناً وشعارات، إنها أمجاد حلّقت بين الغيوم، ونقوش على السماء ظلّت زاهية حتى وإن ابتلعها المغيب.
أخبار ذات صلة