وراء كلمة “برس” على سترات الصحفيين الفلسطينيين في قطاع غزة، تختبئ بطون خاوية ومعاناة استثنائية في تاريخ العمل الصحفي بعد 22 شهرا من الحرب الإسرائيلية المستمرة، حيث بات الجوع تحديا إضافيا لشهود الميدان

وتناولت حلقة برنامج “المرصد” بتاريخ (2025/8/4) الوضع المأساوي الذي يعيشه الصحفيون الفلسطينيون في غزة، حيث بات سلاح التجويع الإسرائيلي يستهدف الإعلاميين وعائلاتهم بشكل مباشر، في حين تتفاوت التغطية الإعلامية الغربية لجريمة التجويع بين نشر صور المجوعين وإغفال تسمية مرتكب هذه الجريمة.

ولم تشهد التغطية الصحفية للحروب الحديثة مخاطر وويلات كتلك التي يواجهها الصحفيون الفلسطينيون اليوم، فبالإضافة إلى الاستهداف المباشر واستشهاد أكثر من 230 منهم، يعانون اليوم من التجويع الممنهج الذي تمارسه إسرائيل ضد سكان القطاع.

وفي مشهد يبكي الحجر، سقطت امرأة فلسطينية من الإعياء والجوع خلف مراسل الجزيرة أنس الشريف أثناء البث المباشر، بعد أن علمت باستشهاد ولديها وهم ينتظرون مساعدات الموت.

وعلق الشريف قائلا “أنا جوعان، واللي بصورني جوعان، واللي بحاورني جوعان، والجريح اللي بيجي على المستشفى يتعالج جوعان”.

وتحدث الشريف عن معاناة يومية غير مسبوقة، قائلا “الآن احنا فقط بننتظر حاجة واحدة، الموت، إما قصفا أو جوعا”، مؤكدا أن كل فئات المجتمع في غزة تعاني من الجوع والحاجة لرغيف خبز واحد.

وفي خطوة استثنائية، قرر 3 صحفيين من سكان غزة هم وديع أبو السعود ومحمد عليان ويوسف اللولو الإضراب عن الطعام تضامنا مع أطفال غزة المجوعين.

وقال أبو السعود “أتت الفكرة عندما كنت أوثق إحدى جرائم الاحتلال داخل مجمع الشفاء الطبي، عندما سقطت امرأة مسنة أمامي واستشهدت من الجوع”.

لا خيار آخر

وأوضح أبو السعود أن المضربين يشربون الماء والملح فقط في الصباح، قائلا “بنجيب كباية بنحط فيها نص أو ربع معلقة ملح، وبنشربها حتى ما تتعفن أمعاءنا”، مؤكدا “ما في خيار أمامنا إلا أن نصمد أو نموت بكرامة ونحن مرتاحين الضمير”.

وفي تطور غير مسبوق، أعلنت وكالة الصحافة الفرنسية محاولة إجلاء 10 صحفيين فلسطينيين يعملون لصالحها في غزة. ورغم أن الوكالة التي تأسست قبل أكثر من 80 عاما اضطرت سابقا لإجلاء موظفيها من مناطق الحروب، إلا أنه لم يحدث قط أن يكون الجوع سببا لذلك.

وعلقت الدكتورة أليس روتشيلد من منظمة “الصوت اليهودي من أجل السلام” بأن “إجلاء مراسلي وكالة الصحافة الفرنسية هو حتما انتصار لنتنياهو، فالهدف الأساسي من كل ذلك هو الاستمرار في تجويع الناس دون إعلان ذلك”.

وانتقد الأستاذ المحاضر أليكس دو فال من جامعة تافتس التغطية الإعلامية الدولية، قائلا “المجاعة لا تحدث بالصدفة، هي فعل يرتكبه بعض الناس ضد أناس آخرين، كلما رأينا طفلا يتضور جوعا، علينا أن نسأل من المسؤول عن هذا التجويع؟”.

وكشف “المرصد” كيف تواصل بعض المؤسسات الإخبارية الغربية الكبرى ارتكاب جريمة الإغفال المتعمد، حيث تنشر عناوين حول مجاعة في غزة دون الإشارة للجناة الفعليين، وكأن الأمر نتج عن جفاف بيئي وليس تجويعا متعمدا.

ورغم كل هذه التحديات، يؤكد أنس الشريف استمراره في المهمة قائلا “أخذت عهدا على نفسي أني ما أتوقف لحظة واحدة عن التغطية رغم كل الظروف رغم كل التهديدات”، مضيفا “أبناء شعبي يقولون لي ما تستسلمش يا أنس، أنت صوتنا، أنت اللي ضايل توصل صوتنا”.

ذكرى مذبحة سربرنيتسا

كما تناولت الحلقة في جزئها الثاني الذكرى الثلاثين لمذبحة سربرنيتسا، إحدى أضخم المذابح التي شهدتها أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.

ففي يوليو/تموز 1995، نفذت قوات من صرب البوسنة عملية إعدام جماعية لثمانية آلاف رجل وفتى بوسني في منطقة أعلنتها الأمم المتحدة آمنة.

وتستمر عائلات الضحايا في دفن رفات أحبائهم الذين يتم العثور عليهم في مقابر جماعية مختلفة، حيث دُفن 7 ضحايا في الذكرى الثلاثين للمذبحة في مقبرة بوتوتشاري التذكارية التي تضم أكثر من 6 آلاف ضحية.

وحُكم على منفذ المذبحة الجنرال راتكو ملاديتش والزعيم السياسي رادوفان كاراديتش بالسجن مدى الحياة لارتكاب إبادة جماعية، لكن جراح الماضي لا تزال مفتوحة في منطقة تخشى عودة التوترات العرقية من جديد.

شاركها.
Exit mobile version