بقلم:&nbspيورونيوز

نشرت في

اعلان

في مطلع آب/أغسطس الجاري، امتلأت أجنحة علاج الكوليرا في بلدة طويلة بولاية شمال دارفور بالمرضى الذين تمددوا على أسرّة متواضعة، فيما برزت أنابيب المحاليل الوريدية في مشهد يعكس قسوة الوباء. وأكدت منظمة “أطباء بلا حدود” في بيان لها الخميس أنّ السودان يشهد “أسوأ تفشٍ للكوليرا منذ سنوات”.

المنظمة الطبية الدولية أشارت إلى أنّ انتشار المرض لم يعد محصورًا داخل حدود السودان، محذّرة من أنّه قد يفاقم تفشيات مماثلة في دول الجوار خلال الأسابيع والأشهر المقبلة.

عبور الحدود وتحذيرات أممية

قال شيلدون ييت، ممثل منظمة اليونيسف في السودان، إنّ “الوباء تجاوز الحدود بالفعل نحو جنوب السودان، وهو الآن يعبر إلى تشاد”. وأضاف: “ما لم نتمكن من احتواء هذه الأزمة، فإنها ستستمر في التمدد عبر الحدود لأسابيع وربما أشهر”.

ووفقًا لبيانات أطباء بلا حدود، سجّل السودان منذ إعلان وزارة الصحة عن التفشي قبل عام ما يقارب 100 ألف حالة اشتباه بالكوليرا، وأكثر من 2400 وفاة مرتبطة بالمرض، بينها 40 وفاة في أسبوع واحد فقط في إقليم دارفور الغربي.

طويلة: بؤرة جديدة للوباء

بلدة طويلة، الواقعة على بعد 70 كيلومترًا من مدينة الفاشر – آخر معقل للجيش السوداني في دارفور والمحاصر منذ أكثر من عام – أصبحت مركزًا رئيسيًا لتفشي المرض. فالبلدة تستضيف مئات الآلاف من النازحين الذين فرّوا من أعمال العنف المستمرة.

لكن المخيمات التي لجأ إليها السكان تعاني من انعدام المياه النظيفة، وغياب البنى التحتية الصحية، ما يضطر العائلات إلى الشرب من مصادر ملوثة. وقال سيلفان بانيكو، منسق مشاريع المنظمة في طويلة، إنّ “الأسر كثيرًا ما تضطر للشرب من مياه ملوثة، مما يؤدي إلى إصابة الكثيرين بالكوليرا”. وأضاف: “قبل أسبوعين فقط، عُثر على جثة داخل بئر في أحد المخيمات. ورغم إخراجها، أُجبر الناس بعد يومين على استخدام البئر نفسه للشرب”.

المرض وعوامل الفتك

الكوليرا تنتقل عبر تناول مياه أو أغذية ملوثة، وتزدهر في البيئات المكتظة التي تفتقر للصرف الصحي. وهي تقتل عبر تجفيف أجساد المصابين نتيجة الإسهال والقيء الحادين، ويزداد خطرها مع سوء التغذية. ورغم أنّ علاجها زهيد الثمن وبسيط، فإنّ صعوبة الوصول إلى الأدوية في مناطق النزاع تزيد من حدتها.

الحرب والكارثة الإنسانية

السودان غارق في حرب دامية منذ اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في نيسان/أبريل 2023. إقليم دارفور، الذي تسيطر عليه بدرجة كبيرة قوات الدعم السريع، كان من بين أكثر المناطق تضررًا، حيث اجتمع النزوح الجماعي مع المجاعة وانتشار الأمراض.

وقالت اليونيسف هذا الشهر إنّ القتال في شمال دارفور وضع أكثر من 640 ألف طفل دون الخامسة في دائرة الخطر، جراء الجوع والمرض والعنف. وأضاف ييت: “مع تحرك السكان، يتحرك المرض أيضًا. كلما اعتقدنا أننا سيطرنا على الوباء في مكان، يظهر من جديد في مكان آخر”.

الأزمات الإقليمية وتوسع الخطر

لم يقتصر تفشي الكوليرا على السودان. فقد شهدت تشاد تفشيًا في أحد مخيمات اللاجئين القادمين من دارفور ودول أخرى تعاني من موجات وبائية مشابهة. كما أعلنت الأمم المتحدة أنّ جنوب السودان يشهد “أسوأ وأطول” تفشٍ للكوليرا منذ إعلان الوباء في تشرين الأول/أكتوبر 2024، مع تسجيل أكثر من 80 ألف حالة و1,400 وفاة.

وفي أيار/مايو 2025، سجّلت جمهورية الكونغو الديمقراطية 29,392 حالة اشتباه و620 وفاة مرتبطة بالكوليرا. أما أنغولا، فقد وصفتها منظمة الصحة العالمية في تقرير حزيران/يونيو بأنّها تواجه “أسوأ تفشٍ للكوليرا منذ نحو عقدين”، بعد تسجيل أكثر من 26 ألف إصابة و750 وفاة خلال خمسة أشهر فقط.

أزمة تمويل تضاعف المعاناة

قدّمت الولايات المتحدة في عام 2024 نحو 830 مليون دولار كمساعدات طارئة للسودان، وهو أكبر دعم دولي حينها، بحسب تقديرات الأمم المتحدة. لكن خفض إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمساعدات هذا العام أدى إلى إضعاف برامج الإغاثة، بما في ذلك المطابخ الشعبية التي كانت توفر الغذاء للفئات الأشد ضعفًا.

وحذّر ممثل اليونيسف من أنّ تقليص المساعدات فاقم أزمة الكوليرا، مشددًا على أنّ “الأمطار الموسمية، التي تؤدي إلى اختلاط مياه الصرف بالشرب، لم تنتهِ بعد”، مضيفًا: “لدينا بالفعل تفشٍ واسع، وما زالت الأمطار أمامنا”.

تفشي الكوليرا في السودان يعكس تداخل الأزمات بين الحرب والنزوح والمجاعة وانهيار الخدمات الصحية. وبينما تحذّر المنظمات الدولية من اتساع رقعة الوباء إلى دول الجوار، تبقى قدرة الاستجابة مرهونة بتأمين التمويل والإمدادات الطبية، إضافة إلى معالجة جذور الأزمة المتمثلة في الصراع المسلح المستمر.

شاركها.
Exit mobile version