القدس المحتلة- تتزايد التساؤلات في إسرائيل حول مدى جهوزية الجيش لتنفيذ خطة احتلال مدينة غزة، في ظل معطيات مقلقة تكشف عن تراجع الجاهزية البشرية واللوجيستية على حد سواء.

فوفقا لتقديرات الجيش الإسرائيلي، لا يتجاوز معدل الامتثال في صفوف قوات الاحتياط 50-70%، مع ارتفاع معدلات التهرب من الخدمة بدوافع “ضمير”، إلى جانب أعطال متكررة في الآليات العسكرية، ومخاوف من تراجع المخزون التسليحي بفعل القيود الأوروبية والحظر الألماني على شحن الأسلحة لإسرائيل.

وكشفت صحيفة “هآرتس”، في تقرير لها، عن تعطل عدد كبير من الآليات العسكرية المدرعة التابعة للجيش الإسرائيلي، وأشار التقرير إلى أن طواقم ميكانيكية في الجيش تبذل جهودا مكثفة لإصلاح الدبابات وناقلات الجند داخل قطاع غزة، بعد أن تعرضت لأعطال واسعة نتيجة استخدامها المتواصل على مدار 22 شهرا من العمليات القتالية.

سؤال الواقعية

وعلى المستوى السياسي، يبرز تباين واضح بين الحكومة والجيش بشأن جدوى العملية وأهدافها، إذ يضغط المستوى العسكري الممثل برئيس الأركان إيال زامير، نحو القبول بصفقة تبادل جزئية للأسرى بحجة استنفاد وسائل الضغط على حركة حماس.

في المقابل، يتمسك رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة- بخطاب متشدد، ساعيا إلى تسويق الخطة تحت اسم “اللكمة الحديدية” بدلا من “عربات جدعون 2″، في محاولة لإظهار صورة الحسم والردع.

لكن هذا الخطاب يواجه انتقادات واسعة في الإعلام الإسرائيلي، الذي يشكك في قدرة الجيش على تحقيق “نصر واضح”، محذرا من تداعيات أي فشل عسكري جديد على صورة الردع الإسرائيلية، وعلى مستقبل الحكومة نفسها.

وفي ظل اتساع دائرة الجدل الداخلي، يتقاطع العسكري بالسياسي والإعلامي في مشهد يعكس أزمة ثقة عميقة داخل إسرائيل، ويطرح علامات استفهام حول واقعية خطة احتلال غزة، وحدود قدرة الجيش على تنفيذها وسط الانقسامات الداخلية وتآكل الجاهزية العملياتية.

مدى الجهوزية والقدرة

تحت عنوان “بعض الدبابات والآليات العسكرية خارج الخدمة، والحظر الألماني قد يعيق المناورات في مدينة غزة”، استعرض المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هرئيل جملة من التساؤلات التي توحي بعدم جهوزية الجيش الإسرائيلي لاحتلال غزة.

وأشار هرئيل إلى تقارير عسكرية داخلية تكشف عن أعطال في عدد من الآليات المدرعة والدبابات، بالتوازي مع ارتفاع نسبة الرافضين للخدمة في صفوف قوات الاحتياط، وهو ما يضع علامات استفهام جدية حول قدرة الجيش على خوض عملية برية واسعة ومعقدة داخل القطاع.

وفي السياق ذاته، يضيف المحلل العسكري بروز مشكلة إضافية مؤخرا تتعلق بإعلان ألمانيا وقف تزويد إسرائيل بالأسلحة، وهو ما قد ينعكس بشكل مباشر على صيانة دبابات “ميركافا” وتبديل محركاتها.

وحسب هرئيل، فإن بعض الدبابات تعطلت بالكامل، خصوصا أن قطع الغيار والمحركات يتم تصنيعها في ألمانيا، الأمر الذي يهدد بتقليص قدرة الجيش الإسرائيلي على تنفيذ أي عملية اجتياح واسعة.

الحظر الألماني على توريد الأسلحة لإسرائيل يمس بالأساس إلى قطع الغيار ومحركات الدبابات التي تصنع في ألمانيا (جميع الصور من تصوير المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي التي عممها للاستعمال الحر لوسائل الإعلام)

 

وفيما يخص أوامر استدعاء قوات الاحتياط، أوضح هرئيل أن الجيش وجه استدعاء لنحو 60 ألف جندي، يفترض أن يلتحقوا بوحداتهم ابتداءً من الثاني من سبتمبر/أيلول المقبل، “غير أن التقديرات الداخلية للجيش لا تبدو مطمئنة، إذ يتوقع في بعض الوحدات أن تبلغ نسبة الامتثال حوالي 70% فقط، بينما في ألوية أخرى قد لا تتجاوز 50%”، يضيف المحلل العسكري.

وأوضح أن هذه المعطيات تشير إلى أن هذه النسب لا تشمل الجنود الذين أبلغوا قادتهم مسبقا رفضهم الامتثال لخدمة الاحتياط، الأمر الذي يجعل إرسال أوامر استدعاء إليهم بلا جدوى.

وعلى الرغم من ذلك، يقول المحلل العسكري “تتواصل الاستعدادات للعملية العسكرية للسيطرة على مدينة غزة بوتيرة اعتيادية”، لكن الادعاء بأن هذه العملية ستنجح في إخضاع حركة حماس وإجبارها على تسليم الرهائن أحياءً في اللحظة الأخيرة، يتعارض مع مجمل التجارب السابقة.

ظاهرة الرفض

وجه آخر للأزمات الداخلية التي يواجهها الجيش الإسرائيلي مع القوات البشرية في ظل الحرب الدائرة على غزة، هو الارتفاع غير المسبوق في عدد الجنود الذين يرفضون الخدمة العسكرية لأسباب أيديولوجية، على ما أفاد تحقيق للموقع الإلكتروني “زمان يسرائيل”.

ووفقا لبيانات حركة “هناك حدود” (يش غفول)، التي تقدم الدعم للرافضين للخدمة العسكرية بالجيش الإسرائيلي لأسباب “ضميرية”، فإن العام 2025 سجل أعلى مستوى من رفض الخدمة العسكرية في تاريخ الجيش الإسرائيلي.

فمنذ بداية الحرب، لجأ نحو 300 جندي إلى الحركة طلبا للمساعدة بعد رفضهم الالتحاق بخدمة الاحتياط، معظمهم في جبهات غزة وبعضهم في الضفة الغربية، حيث تقدم للحركة نحو 100 جندي خلال الأشهر الثمانية الأولى من الحرب، أما 75% من مجموع الجنود فقد تقدموا خلال عام 2025.

وهذا العدد يفوق بأكثر من عشرة أضعاف ما كان قبل الحرب، حيث كان عدد طلبات المساعدة السنوية المقدمة إلى “يش غفول” يتراوح بين 10 و15 جنديا، ولم يتجاوز 40 جنديا في ذروة حروب سابقة، بينما تزيد الأرقام اليوم عن 7 أضعاف أعداد الرافضين للخدمة العسكرية في حرب لبنان الأولى أو خلال الانتفاضتين الأولى والثانية.

 

ويعلق الكاتب والمحرر في “زمان يسرائيل” تاني غولدشتاين أن هذه الأعداد رغم كونها قياسية، فإنها لا تقارن بما يُعرف بـ”الرافضين الرماديين”، وهم عشرات الآلاف من جنود الاحتياط الذين لا يلتحقون بالخدمة في غزة، بذريعة شخصية أو بدون تبرير واضح.

ووفقا لغولدشتاين، فرغم أن نسبة الامتثال لاستدعاء قوات الاحتياط بعد تاريخ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وصلت إلى نحو 160%، بفضل تطوع عشرات الآلاف ممن لم يستدعوا أصلا لخدمة الاحتياط، فإنها انخفضت هذا العام إلى 50% بسبب استمرار الحرب وتأخر صفقة تبادل الأسرى.

ولفت إلى أن الجيش الإسرائيلي يتجنب محاكمة الرافضين “ضميريا” بشكل مباشر، ويفضّل تصنيفهم على أنهم “فارون” من الخدمة، بهدف منع تحويل الرفض إلى ظاهرة أيديولوجية علنية قد تلهم آخرين في المجتمع الإسرائيلي.

وخلص إلى أن حرب غزة لم تضعف الثقة بالقيادة السياسية والعسكرية فحسب، بل عمّقت أيضا ظاهرة الرفض الأيديولوجي في صفوف الجيش، حيث تكشف المعطيات عن تحدٍّ متصاعد في الحفاظ على تماسك قوات الاحتياط رغم محاولات المؤسسة العسكرية إخفاء ذلك عبر تصنيفات “الفرار” أو “التغيب”.

شاركها.
Exit mobile version