القاهرة- في حملة أمنية مفاجئة، أوقفت السلطات المصرية عددا من صناع المحتوى على منصة “تيك توك”، بالتزامن مع تقديم عشرات البلاغات ضدهم، بتهم تتراوح بين “نشر محتوى مسيء وغير أخلاقي” و”التربح من أموال مشبوهة المصدر”.

ورغم أن السلطات المصرية أوقفت في السنوات الأخيرة العديد من صانعي المحتوى لأسباب مختلفة، فإن الحملة الحالية تعد الأكثر حدة وإثارة للجدل، خاصة مع تصاعد دعوات لحجب المنصة نهائيا، ومطالبات بالكشف عن مصادر الثراء السريع لهؤلاء “التيك توكرز”، ومعظمهم من خلفيات اجتماعية بسيطة، وفق مراقبين.

وكشف البرلماني أحمد بدوي، الرئيس السابق للجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب، أن لجنة البرلمان عقدت اجتماعا مع ممثلي الحكومة والجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، بحضور الممثل الإقليمي لـ”تيك توك”، قبل نحو شهر.

وأوضح بدوي أن السلطات منحت المنصة مهلة 3 أشهر لتحسين المحتوى أو مواجهة قرار الإغلاق الكامل في مصر.

وخلال اليومين الماضيين، أعلنت وزارة الداخلية القبض على 8 من صانعي المحتوى، بينما توقع بدوي توقيف 11 آخرين قريبا على خلفية المحتوى “غير الأخلاقي” المنشور عبر المنصة.

اتهامات وتحقيقات

بحسب المحامي أحمد مهران، مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، بدأت حملة الملاحقات الأخيرة عقب تلقي النيابة العامة بلاغات من محامين ومواطنين عن انتشار محتويات مخلة بالآداب على المنصة.

وفي حديثه للجزيرة نت، أكد مهران أن البلاغات تضمنت اتهامات بنشر مشاهد “تروج للرذيلة والعري وتخدش الحياء العام”، إلى جانب شبهات أكثر خطورة مثل “التربح غير المشروع، غسل الأموال، والاتجار بالأعضاء البشرية”.

لكن مهران أوضح أن التحقيقات الحالية تركز على “جرائم الإنترنت”، بينما لم يبدأ التحقيق بعد في جرائم التربح وغسل الأموال، مرجحا الإفراج عن بعض الموقوفين بكفالات مالية لاحقا.

ويرى أن مصر تمتلك تشريعات كافية لمحاسبة من ينشر محتوى ضارا، مؤكدا أن القانون يسمح بحجب المنصات عند الضرورة، لكن الحجب الكامل ليس حلا جذريا، بل يجب وضع معايير واضحة وسياسات صارمة للمحتوى المنشور.

الحجب ليس حلا

من جانبه، اعتبر النائب البرلماني ضياء الدين داود أن حجب المنصات الاجتماعية ليس حلا دائما، وإنما إجراء مؤقت قد ينعكس سلبيا على الاقتصاد والاتصال المجتمعي، ويمنع الوصول إلى محتوى نافع.

وقال داود للجزيرة نت إن الموقوفين مؤخرا لا يمثلون صناع محتوى بالمعنى الحقيقي، بل يقدمون محتوى منحرفا يخالف القيم المجتمعية، معتبرا أن ما يقومون به ليس حرية تعبير وإنما مخالفات تستوجب المحاكمة.

وأضاف أن بلاده تمتلك تشريعات واضحة لمكافحة إساءة استخدام التكنولوجيا، مشددا على ضرورة التفكير في إنشاء جهة رسمية متخصصة لمراقبة المحتوى على منصات التواصل. وحذر من أن غلق المنصات قد يعرض مصر لانتقادات بشأن حرية التعبير، كما أن المخالفين يمكن أن يجدوا دائما طرقا للتحايل.

آليات تنظيم المحتوى

من منظور تقني، تقول منى طمان، المحاضرة والاستشارية الدولية في تكنولوجيا المعلومات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، إن خوارزميات “تيك توك” تشجع على الانتشار السريع للمحتوى المثير للجدل، ما يدفع بعض المستخدمين لتجاوز المعايير الأخلاقية لتحقيق الشهرة والربح السريع.

وأوضحت طمان في حديث للجزيرة نت أن الرقابة الداخلية للمنصة في مصر ضعيفة، وهذا يتيح المجال لانتهاك القوانين المحلية.

وترى أن الاجتماعات الأخيرة بين السلطات المصرية ومسؤولي المنصة خطوة استباقية تهدف إلى فرض التزام محلي، وربما تمهد لفتح مكتب رسمي لـ”تيك توك” في مصر، وتفعيل أدوات ذكاء اصطناعي لرصد المحتوى الضار تلقائيا.

وعن احتمال حجب المنصة، أكدت طمان أن الحجب الكامل ممكن تقنيا وتشريعيا، لكنه يظل خيارا أخيرا، مشيرة إلى أن البدائل تشمل الحجب الجزئي أو المؤقت، وفرض الغرامات المالية، أو تقليص وصول المحتوى المخالف عبر خوارزميات المنصة.

غياب البدائل الجاذبة

أما أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، سامية خضر، فتعتقد أن انتشار “تيك توك” بين الشباب المصري يعود إلى غياب البدائل الثقافية والترفيهية الجاذبة، وضعف المحتوى الهادف.

وقالت للجزيرة نت إن المنصة أعادت تشكيل مفهوم الشهرة والمكانة الاجتماعية، لأنها تمنح مكافآت مالية وجماهيرية من دون الحاجة إلى موهبة أو جهد أكاديمي، ما يدفع الشباب إلى السعي وراء شهرة سريعة.

ورغم الانتقادات، شددت خضر على أن المنصة لا يجب شيطنتها بالكامل، مؤكدة حاجة المجتمع المصري لدراسة اجتماعية شاملة لفهم الظاهرة ومعالجة أسبابها بدل الاكتفاء بالملاحقات الأمنية.

تفاصيل مثيرة في القبض على عدد كبير من بلوجرز التيك توك في مصر

أرقام وإحصائيات

وفق بيانات منصة “داتا بورتال” (Data Portal) للبيانات الرقمية:

  • بلغ عدد مستخدمي الإنترنت في مصر حتى يناير/كانون الثاني 2025 نحو 96.3 مليون مستخدم بنسبة انتشار 81.9% من السكان.
  • عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في مصر حوالي 50.7 مليون مستخدم، ما يعادل 43.1% من إجمالي السكان.
  • عدد مستخدمي “تيك توك” في مصر (18 عاما فأكثر) وصل إلى 41.3 مليون مستخدم، بينهم 64.2% ذكور و35.8% إناث، بزيادة 25.4% عن العام السابق.

وتشير الأرقام إلى أن “تيك توك” أصبح منصة مؤثرة بين الشباب المصري، وسط تحديات قانونية وأمنية متزايدة حول طبيعة المحتوى المنشور عليها.

شاركها.
Exit mobile version