بيزنس الثلاثاء 10:15 م

تونس- مع بزوغ فجر كل يوم تشد التونسية حفصية حبل حمارها، وتنطلق عبر طرق جبلية وعرة لتقطع مسافة 5 كيلومترات نحو أقرب بئر ماء، في رحلة شاقة لامرأة خمسينية.

لكن حفصية تجد في ذلك السبيل الوحيد لتأمين بضعة لترات من الماء تروي بها عطش أسرتها، أو لتسقي حيواناتها في منطقة “خشاب” التابعة لمدينة قبلاط شمالي غربي تونس.

عن ذلك تقول حفصية للجزيرة نت “تعبت ولم أعد أقدر على التنقل يوميا لجلب الماء”، وتضيف أن حياتها انقلبت إلى صراع يومي مع العطش، في ظل غياب أبسط مقومات العيش الكريم.

حفصية ليست استثناء، فأغلب سكان قبلاط والقرى المجاورة لها يواجهون أزمة حادة في الحصول على مياه الشرب، بعضهم يستعين بالدواب وآخرون بالدراجات النارية، مثل حسن الطرابلسي الذي أكد للجزيرة نت أنه تفرغ يوميا لنقل الماء لعائلته بعد انقطاع الحنفيات العمومية للمياه كل صيف.

وأضاف الطرابلسي أنه يتنقل يوميا ما بين بيته ومكان تجمع المياه على مسافة بعيدة عن منزله، ليعود في آخر اليوم بعدة ليترات من المياه.

مفارقات قاسية

وفي قرية “الحدادة” الجبلية المحاطة بالغابات والبحيرات الطبيعية، يعاني السكان العطش بسبب نقص المياه الصالحة للشرب، كالشيخ عبد الله (81 عاما) الذي يعود من الغابة محملا بالدلاء فوق حماره، في حين يحلم عبد الكريم بمستقبل أفضل لبناته بعيدا عن مشقة جلب الماء من الآبار القديمة.

أما الأم حليمة، فتروي للجزيرة نت بحرقة كيف دفع غياب الماء أبناءها إلى الهجرة، قائلة “لا حياة بلا ماء.. لم يعودوا يرغبون بالبقاء في مكان قاس كهذا”.

وفي قرية العقلة شمالي غربي تونس، يقول نبيل -صاحب مقهى- إن المياه تنقطع عن المنطقة لأشهر متواصلة، ليضيف “نعيش كل صيف على الوتيرة نفسها، فالجمعية المائية المزود الرئيسي للمياه تضطر لقطع الماء بصفة دورية، والناس هنا يعيشون العطش الحقيقي”.

أما الحاج صالح، وهو عامل سابق في الجمعية المائية، فيتحدث للجزيرة نت عن أزمة عطش مستمرة منذ ثلاث سنوات، يقول “ننتظر حلولا حقيقية وجذرية، لكن الصيف يمر كل عام ونحن على الحال نفسها بلا مياه”.

 

أزمة هيكلية

تونس، التي تملك 37 سدا، دخلت منذ أربع سنوات مرحلة “الإجهاد المائي”، مما يعني ارتفاع الطلب مقابل ركود الموارد الطبيعية. ووفق بيانات رسمية، تراجع نصيب الفرد من المياه إلى أقل من ألف متر مكعب سنويا، مما يضع البلاد في خانة “الفقر المائي العالمي”.

وإلى جانب العوامل المناخية وتراجع مخزون السدود بنسبة قاربت 20% العام الماضي، حمل خبراء تونسيون السياسات المائية القديمة مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، معتبرين أن الأزمة “هيكلية دائمة وليست ظرفية”.

وزارة الفلاحة بدورها أعدت المخطط الوطني للمياه الذي يمتد لعشر سنوات ويرتكز على مواجهة التغيرات المناخية وبرمجة مشاريع جديدة لتأمين الموارد، لكن خبراء يحذرون من بطء التنفيذ أمام تسارع الأزمة.

أصوات من الميدان

من جانبه، يؤكد رئيس مجمع المياه في “العقلة خشاب” عفيف الهمامي للجزيرة نت أن خزان المنطقة لم يعد قادرا على تلبية حاجات الأهالي حيث نواجه نقصا فادحا في المياه لأسباب عدة من بينها:

  • الربط العشوائي من خلال توصيل أنابيب المياه بشكل غير قانوني وغير منظم بشبكة المياه الرئيسية.
  • ارتفاع عدد السكان مما يزيد الوضع سوءا.
  • سرقات الماء ورفض البعض دفع ثمن استهلاكه من المياه.
  • العوامل المناخية وتراجع مخزون السدود.

أرقام صادمة

وفق المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، هناك أكثر من 200 ألف تونسي خارج منظومة الخدمات المائية، معظمهم في الريف والمناطق النائية، وفي حين يتجاوز ربط المياه بالمناطق الحضرية 90%، لم يبلغ 50% في المناطق الريفية، في وقت تعاني فيه نحو 600 مدرسة من نقص المياه الصالحة للشرب.

لتأتي المفارقة من أن الشمال الغربي التونسي الذي يزخر بالسدود والموارد المائية الطبيعية، لكن سكانه يعيشون العطش بسبب قدم الشبكات، بالإضافة لسوء الإدارة، وتوسع المؤسسات الخاصة مثل شركات المياه المعدنية التي تستهلك كميات هائلة.

وبينما تراهن الدولة على مشاريع جديدة لتدارك الأزمة، يظل آلاف التونسيين في القرى والجبال يقطعون الكيلومترات يوميا بحثا عن جرعة ماء، بانتظار أن يجدوا العدالة المائية التي يطالبون بها منذ عقود.

شاركها.
Exit mobile version